Formations Divers

Formations Divers

أزمة التدبير المحلي

 

 

أكدت بعض الأوساط أن تعديلات مهمة سيتم إدخالها على الميثاق الجماعي بهدف تصحيح بعض الأوضاع التي نجمت عن التطبيق الحالي، والتي كشفت الممارسة اليومية عن جملة منها.

 ولأن المعروف في المغرب أن الأزمة لم تكن إطلاقاً أزمة نصوص وتشريعات، فمن المؤكد أن أزمة التدبير الجماعي  أعقد بكثير مما يتم تسويقه، وقد تتطلب أكثر من مجرد تعديل النص الجاري به العمل لتجاوز اختلالاتها.

 وكما هو معروف فإن قمة الديموقراطية هي تلك التي تمارس محلياً، لأنها تمكن المواطن البسيط في أقصى نقطة على الخريطة من تدبير شؤونه بنفسه عبر التصويت والمراقبة اللصيقة لعمل المنتخبين.

 ولهذا كان العاهل الراحل قد صرح علانية بأنه لو كان يملك حق الترشيح للانتخابات، لاختار الانتخابات الجماعية.

إلى ذلك، ينظر إلى التدبير المحلي، حتى في الديموقرطيات العريقة، على أنه المدرسة الأولى لتكوين المسؤولين السياسيين، ولهذا يتعذر في فرنسا على -سبيل المثال- أن تجد وزيراً أو عضواً في الجمعية الوطنية لم يمر من باب التدبير البلدي.

 التجربة المغربية كما هو واضح شابتها الكثير من الشوائب -رغم مرور قرابة نصف قرن على تدشينها-، وإذا كان مفهوماً في الماضي أن يتم استغلال هذا المنفذ لإحكام السيطرة على كل وسائل الفعل في الشأن العام، فإن الحاضر لا يبدو أفضل حالاً، رغم التعديلات التي تم إدخالها على الميثاق الجماعي قبيل الاستحقاقات الماضية.

 وبكل موضوعية، فإنه يصعب إلقاء كامل المسؤولية على طرف دون آخر، لأن أيدي الجميع ملطخة، وبشكل متساٍو تقريباً.

 المنتخبون..المستثمرون!!

 لاشك في أن المنتخبين هم عصب  التدبير المحلي، خاصة وأننا أمام أشخاص يفترض أنهم يعايشون  عن قرب المشاكل اليومية للمواطن وبالتالي هم الأقدر من غيرهم على البحث عن الحلول الملائمة في تكريس عملي ومنطقي لمبدإ اللامركزية، لأنه لا يعقل إحالة كل شيء على السلطة المركزية حتى لو تعلق الأمر بمسائل بسيطة تدخل في صميم التدبير المحلي الذي من أجله تم التفكير في خلق مجالس محلية  أصلاً.

 

لكن الملاحظ هو أن تعديل القانون لم يمنع لا نفس الوجوه ولا نفس الممارسات من العودة إلى مسرح الأحداث، لأن الثقافة التي تم ترسيخها طيلة عقود جعلت الجماعات المحلية مجرد بوابة للاغتناء السريع ولخدمة المصالح الشخصية والفئوية.

 فكما يمكن استقراء ذلك بالأرقام، فإن كثيراً من المنتخبين الجماعيين نجحوا في تحقيق “إقلاع اقتصادي شخصي” بمجرد أن استقر بهم المقام تحت قبة المجلس، وهو ما لا يحتاج إلى تفصيل أو شرح في هذا المقام.

 فالبيع والشراء ينطلقان منذ إعلان النتائج، حيث إن تشكيل الأغلبيات لا يخضع سوى لمنطق من يدفع أكثر، علما أن هذا “الدفع” لا يكون نقداً فقط، بل قد يشتمل على منافع عينية، من قبيل تفويض التوقيع، أو التعيين على رأس بعض المصالح الجماعية ذات المردودية العالية، فضلا عن فتح طرق ومسالك أمام المصالح الخاصة حيث غالبا ما يكون المستشارون إما مضاربين عقاريين  أو  أصحاب مشاريع، أو أطرافا في شبكات مصلحية تنسج خيوطها حول مقدرات الجماعة قروية كانت أم حضرية.

 ولهذا كانت الرئاسة في الماضي على كف عفريت، أي أنه كلما تغيرت التحالفات إلا ويجد الرئيس نفسه في مواجهة ملتمس سحب الثقة، الشيء الذي يدفعه إلى التفاوض من جديد أو ترك الكرسي للطرف الأقوى.

 لكن العادة جرت أنه بعد جمع التوقيعات الضرورية لعقد الدورة الاستثنائية غالباً ما تثمر “المفاوضات” فيسحب بعض الموقعين توقيعاتهم، أو تجري الانتخابات فعلاً، لكنها تؤدي إلى عودة الأمور إلى سابق عهدها.

  وعوض أن تؤدي التعديلات التي تم إدخالها على الميثاق الجماعي في هذا الباب إلى سد هذه الثغرة، وجدنا أنفسنا أمام إشكالية أخرى، ذلك أن تحصين الرئيس ضد الإقالة أدى إلى اختراع أسلوب جديد يتمثل في فقدانه للأغلبية الشيء الذي يحوله إلى لعبة في يد المستشارين المتكتلين.

 وقد تكرر هذا السيناريو مرارا وتكرارا حتى في الجماعات التي يحظى فيها حزب واحد بأغلبية مطلقة ومريحة، الشيء الذي خلق إشكالية معقدة خاصة عندما يتم رفض كل ما يتقدم به مكتب المجلس من مشروع الميزانية إلى الحساب الإداري، ما يحكم بالتالي على الجماعة بالجمود التام بما أنها تصبح رهينة في يد رئيس يرفض التنازل، وأغلبية لا مانع عندها من التضحية بكل أشكال التنمية في سبيل الدفاع عما تعتبره حقوقاً لها.

 وأياً كان الحل الذي يمكن أن يتم اللجوء إليه في التعديل المرتقب، فالأكيد أن الإشكالية لن تزداد إلا تعقيداً خصوصاً إذا استحضرنا أن عضوية المجلس أصبحت بالنسبة للبعض مسألة حياة أو موت، لأن مصالح كبرى أصبحت محل رهان، بل إن النشاط الاقتصادي لكثير من رؤساء الجماعات مرتبط بالرئاسة واستمرارهم فيها، ما يعني أن المعركة سيكون لها طابع “درامي”.

 إن الحروب التي تندلع من أجل الفوز بصفة مستشار جماعي أو رئيس، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك بأننا أمام تجربة لا يمكن النظر إليها من زاوية الديموقراطية المحلية ولا من زاوية الصراع على “شرف” تدبير شؤون المواطنين، بل نحن أمام واقع جعل طبقة من الأثرياء الجدد تربط مصيرها بمصير الجماعة، ولنا في تقارير المجلس الأعلى للحسابات ما يكفي من المعطيات التي تؤكد أن الجماعات المحلية لا تخضع لأي شكل من أشكال حسن التدبير بل إن أعضاءها يلعبون أحياناً دور البائع والمشتري في نفس الوقت، ولعل عملية إحصاء بسيطة قد تكشف عدد المستشارين المستفيدين بشكل مباشر من الصفقات التي تعلنها الجماعات التي يحملون صفة مستشار فيها.

 السلطة المحلية..شاهد وشريك

 

الطرف الآخر في المعادلة يتمثل في السلطات المحلية، وهنا نجد أنفسنا أمام ثلاث سيناريوهات.

 السيناريو الأول -وهو الأقل حضوراً- يتمثل في وجود والٍ أو عامل، يرى أن ملفات الجماعات المحلية أقل شأنا من أن تأخذ من وقته أية دقيقة، فيتفرغ لما هو أهم، وبالتالي يحيل  الجمل بما حمل على من هم بعده في لائحة المسؤولية.

 يحدث هذا تحديداً من طرف من ينظرون إلى المسؤولية المسندة إليهم في الولايات والأقاليم والعمالات، على أنها مجرد مرحلة في مسيرتهم المهنية، وبالتالي فإن عيونهم لا تفارق الساعة وسماعة الهاتف التي قد تحمل في أية لحظ خبر الترقية المنتظرة.

 أما السيناريو الثاني فيتمثل في الحالة التي يكون فيها الصراع محتدماً بين السلطة والمنتخبين، وهي حالة نادرة لا تحدث عادة سوى في العواصم الكبرى للمغرب، حيث يعتبر بعض الرؤساء أنفسهم أندادا مساوين للعمال والولاة، وهنا غالباً ما يتخذ الصراع طابعاً شخصياً، ولذلك تفشل كل محاولات الوساطة في وضع حد لهذا   المشهد،  لأن الصراع الشخصي لا يحتكم إلى نصوص قانونية  توضح الاختصاصات والواجبات والحقوق، بل يكون هدفه الأول والأخير هو التناطح الذي غالبا ما تدفع المدينة ثمنه غاليا.

 فكثيراً ما سمعنا عن صراعات من هذا النوع نزلت أحياناً إلى مستويات “سفلية” بلغت حد اللجوء إلى تسخير الصحف الصفراء المأجورة لتصفية الحسابات، وإلى عرقلة كل المشاريع والأوراش في ظل الغياب التام لسلطة الوصاية المركزية التي تفضل القيام بدور المتفرج.

 خطورة هذا السيناريو تكمن في أن السكان يغرقون طيلة الولاية الجماعية في المشاكل بسبب “سوء التفاهم” الدائم بين السلطة والمنتخبين، بشكل يدفع حتى المتحمسين منهم إلى الكفر بالتجربة، وبالتالي الانضمام إلى جحافل العازفين عن التصويت.

أما السيناريو الثالث والأخير، والذي يمثل القاعدة العامة، فتكون فيه السلطة والمنتخبون سمناً على عسل، إلى درجة أن بعض الرؤساء يقبلون لعب دور “الخدم” لدى العمال والولاة.

 ميزة هذا السيناريو أن الكل مستفيد، فالرؤساء غالبا ما يقضون أغراضهم الشخصية ويحققون أهدافهم الخاصة دون “شوشرة”، وبالمقابل فإن السلطة تصبح طلباتها أوامر، إلى درجة أن بعض المنتخبين لا يترددون في خدمتها حتى لو كانت الخدمة المطلوبة ضد الشرف والكرامة..ولا حاجة إلى التفصيل هنا أكثر..لأن الأمر  يتجاوز مسألة حمل البلغة”..

 ..والخلاصة..

 نجد أنفسنا في النهاية أمام واقع غريب، طرفه الأول منتخبون مستعدون للقيام بعملية انتحارية من أجل الاحتفاظ بالصفة التمثيلية، لأن أنشطتهم الاقتصادية متوقفة عليها، وطرفه الثاني السلطة المحلية  المتحررة من كل الالتزامات بدليل أنها لا تطالَب في أية لحظة من اللحظات بتقديم الحساب، فأحرى برنامج عمل تحاسب على أساسه بعد انتهاء الولاية الجماعية.

 إن هذا الواقع يحكم حتما على التدبير الجماعي بالفشل، لعدم وجود نية حقيقية لدى مراكز القرار في تحقيق تنمية محلية تحتاج إلى حكامة جيدة وإلى رقابة صارمة.

وهذا ليس اتهاما مجانياً بل هي حقيقة يعضدها الواقع الذي نشاهده صباح مساء في العواصم الكبرى للمغرب التي فشلت في تكريس سياسة الواجهة ما دامت الأزبال والحفر لم تعد توقر حتى الشوارع الرئيسية.

 

إذاً قبل تعديل الميثاق الجماعي لابد من إيجاد جواب لسؤال من قبيل :ماذا تجدي النصوص إذا كان الساهرون على تنفيذها أول من يخرقونها؟؟

 



12/12/2011
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 2 autres membres