إعادة الانتشار
تندرج سياسة الحركية الإدارية في إطار برنامج شمولي للإصلاح الإداري، وتهدف إلى اعتماد تدبير عقلاني للموارد البشرية يلائم متطلبات الفعالية والسرعة في الإنجاز من خلال توزيع عقلاني وفعال للأطر والكفاءات حسب الحاجيات الحقيقية وليس المفترضة .
ففي ظل عملية المغادرة الطوعية المنتهية مؤخرا والتي أدت إلى المغادرة المبكرة لما يقرب من 39.000 موظف، أصبح من اللازم السير في نفس النهج من خلال إقرار سياسة محددة تقضي بعقلنة استعمال الموارد البشرية المتوفرة حاليا وإخضاعها لعملية إعادة الانتشار لأجل تصحيح الاختلالات، بالإضافة إلى دعم المجهودات في مجال اللاتركيز وتفويض الصلاحيات على المستوى الترابي.
ففي إطار الدور الجديد للدولة ومتطلبات اللامركزية وعدم التركيز والوعي المتزايد للمرتفقين للحصول على خدمات جيدة و بالسرعة المطلوبة، تظل عملية إعادة الانتشار دعامة أساسية لتحديث وتطوير الإدارة المغربية وعاملا محوريا في تنمية الكفاءات البشرية وتطوير مهاراتها المهنية.
إن اعتماد مثل هذه العملية، يتطلب القيام بدراسات مستفيضة تستهدف بالدرجة الأولى تبسيط وتسيير مختلف النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالحركية الإدارية من خلال الوسائل المتاحة حاليا والمتمثلة في الإلحاق وإعادة التعيين والنقل والوضع رهن الإشارة، وذلك لتسهيل سهولة المرور بدون نقط عبور “للجمارك المسطرية” سواء داخل الإدارة أو مابين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة أو ما بين مختلف الإدارات (إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة).
وتبعا لذلك، فإن عملية إعادة الانتشار يجب أن تتم في إطار مقاربة متعددة التدخلات، ذات بعد جغرافي وقطاعي محدود، قبل تدشين عمليات شمولية قد تصاحبها مجازفات للإدارة والموظف غير محسوبة العواقب.
1- مفهوم “إعادة الانتشار” :توزيع جديد للموظفين
يمكن اعتبار مفهوم “إعادة الانتشار” بمقياس يمكن من خلاله حسن ضمان توزيع جيد للموظفين سواء داخل نفس الإدارة أو مابين عدة قطاعات إدارية أو مابين الإدارة المركزية والمصالح الخارجية ، لأجل التحكم في الأعداد وتحقيق التوازن في توزيع الموظفين.
مع الإشارة في هذاالصدد، انه لم يظهر إلى الوجود مفهوم ” إعادة الانتشار” في مصطلحات قطاع الوظيفة العمومية إلا بعد صدور مقتضيات الفصلين 38 مكرر و38 مكرر مرتين المتعلقة بحركية موظفي الدولة، مع العلم أن هذه الحركية لا تهم سوى الأطر المشتركة في حين تم استثناء الأطر الخاصة الأخرى،وهذا ماتم تداركه في مشروع الاصلاح الجديد.
كما أن هذه العملية تهدف إلى نقل الموظفين من إدارة عمومية إلى أخرى ومن جماعة محلية إلى أخرى ومن إدارة عمومية إلى جماعة محلية في إطار برنامج تعده كل وزارة على حدة. وقد أضافت التعديلات الأخيرة لهاذا القانون إمكانية نقل الموظفين من جماعة محلية إلى إدارة عمومية وإمكانية تخويل الموظفين المنقولين تعويضا إذا كان الأمر سيؤدي إلى تغيير محل الإقامة.
من خلال هذا التعريف المقتضب يمكن اعتبار الموظفين الهدف الرئيسي لعملية إعادة الانتشار، وذلك انطلاقا من المصالح المكتظة بأعداد الموظفين في اتجاه المصالح التي تعاني خصاصا، وبذلك يمكن استغلال آلية إعادة الانتشار لتفعيل حركية داخلية أو خارجية بانتقال سهل وغير معقد.
لذا، فإن إعادة الانتشار لا تستجيب فقط لمهام التنفيذ ومراقبة أعداد الموظفين من حيث الكم والكيف، في إطار ترشيد تدبير المرفق العام، ولكن يمكن استغلالها كآلية للتحفيز والتشجيع والتكوين.
كما يمكن استعمال أسلوب إعادة الانتشار كطريقة من طرق التوظيف من خلال حسن توزيع الكفاءات بين مختلف الإدارات العمومية، حسب الحاجيات المعبر عنها، وتركيز التوظيف في الكفاءات النادرة للرفع من دينامكية الإدارة.
2- أهداف عملية إعادة الانتشار :
تتعدد أهداف عملية إعادة الانتشار حسب مجالات استعمالها، وهكذا يمكن تحديد مواقعها على ثلاثة مستويات : الوظيفة وهيكلة الإدارة ووضعية الموظف وتبعا لذلك، فهذه العملية تهدف إلى :
- توفير شروط عمل مناسبة لأجل الوصول لأعلى مردودية،
- ترشيد النفقات وتخفيض التكلفة،
- الملائمة ما بين الحاجيات والإمكانيات المتوفرة،
- إعادة توزيع الموظفين حسب متطلبات العمل،
- إعادة توزيع مهام الإدارة حسب متطلبات العمل،
- إعادة توزيع مهام الإدارة حسب حاجيات المرتفق،
- الرفع من مؤهلات الموظفين بخضوعهم لبرامج تكوينية،
- مراقبة مستمرة لأعداد الموظفين والتحكم في توزيعها،
- جعل التجربة المهنية كأداة لتطوير وتحسين الوضعية الإدارية للموظفين،
- تبادل الخبرات ونقل الكفاءات من إدارة لأخرى للرفع من كفاءة الإدارة العمومية.
- إعادة توزيع المهام وإغناء ثقافة الموظفين وتبسيط مسار حياتهم الإدارية.
3- مشاكل وعقبات إعادة الانتشار :
تتميز عملية إعادة توزيع أو انتشار موظفي الدولة ما بين مختلف القطاعات الوزارية، بعدم التطابق بين المهام الموضوعة من أجلها والموارد البشرية المرصود لها.
فمن خلال الإطلاع على بيانات توزيع موظفي الدولة، يلاحظ عدم وجود توازن ما بين المصالح المركزية والمصالح الخارجية من جهة ومن جهة أخرى ما بين مختلف القطاعات الوزارية، إذ تعاني بعض القطاعات من نقص جاد في أعداد الموظفين فيما تعاني أخرى من تكدس كبير.
وتبعا لذلك، فهناك ثلاثة أصناف من الإدارات :
- إدارات تتوفر على أعداد كبيرة من الموظفين (كالتعليم مثلا)؛
- إدارات تتوفر على أعداد متوسطة (كالتجهيز مثلا)؛
- إدارات بها عدد قليل من الموارد البشرية (كالشؤون العامة للحكومة).
فعلى مستوى التأطير : يسجل غياب واختلالات في هذا المجال :
- إما تكدس الأطر بالإدارة المركزية وغياب كلي بالمصالح الخارجية؛
- وإما قلة الأطر وارتفاع في عدد الموظفين التنفيديين والصغار.
أما على المستوى المادي، فخلال السنوات الماضية، نجد أن كثير من الإدارات كانت تطالب بإحداث مناصب مالية لفائدتها بدون التوفر على دراسات عن حاجياتها الحقيقية، حيث نجد أنها أحيانا قامت بتوظيفات إما فقط لأجل التوظيف أو حتى لا تظل لديها مناصب شاغرة أو لإشباع رغبات سياسية محضة أو الاستجابة لضغوط اجتماعية صرفة.
كما أن هناك عدة عوائق أخرى ستواجه عملية إعادة الانتشار ومنها :
- صعوبات اجتماعية، تتمثل في عدم توفر جميع الموظفين على سكن خاص مما يكلفهم إكراهات مالية إضافية ؛
- مشكل التجمع العائلي ولا سيما بالنسبة للأزواج الذين يزاولون عملهم في قطاعات مختلفة (عام – خاص – حر).
- مشكل الامتيازات ؛ يتوفر بعض موظفي الدولة على امتيازات إضافية ومغرية بإدارات عملهم، مما يفضي إلى صعوبة نقلهم إلى إدارات أخرى؛
- ارتكاز التعويض عن الإقامة على تقطيع جغرافي متجاوز ولا يحفز إطلاقا على الحركية الجغرافية لضعف قيمته.
4- ضرورة اعتماد استراتيجية محددة لإعادة الانتشار :
إن إصلاح الإدارة المغربية في المرحلة الراهنة يعد من الرهانات الكبرى وإحدى الخيارات الاستراتيجية لمواجهة التحديات التي تفرضها إكراهات العولمة ومتطلبات وآمال المرتفقين، غير أنه يجب الإقرار بأن أية عملية لن يكتب لها النجاح إلا إذا انخرطت فيها كل الفعاليات وفق مرجعية موحدة. وعليه، فإن عملية إعادة الانتشار لن تضمن لها النتائج المرجوة منها مالم يتم خضوعها للمنطق العلمي الصحيح الذي يستند على الدراسة والتخطيط وتحديد الأهداف، وفق مسار معين متفق عليه، والعمل على عدم إقصاء أي عامل كيفما كان حجمه، وفي هذا الصدد، فإنه يتعين الاتفاق على الإجراءات المصاحبة لهذه العملية وذلك في إطار من التواصل والشفافية فيما يخص المعايير المعتمدة.
–يتعين إعداد استراتيجية محددة الأهداف لعملية توزيع الموظفين حسب الحاجيات المعبر عنها تستجيب لمتطلبات الوظائف والموارد.
-ضرورة التوفر على دليل مرجعي للوظائف والكفاءات يمكن من التعرف على الوظائف والكفاءات الموجودة بكل إدارة وكذا نوعية الموظفين من حيث الكم والكيف، الذين يستجيبون لمتطلبات العمل المطلوب.كما يمكن من خلال هذا الدليل تشخيص الاختلالات في المهام والموارد البشرية و الهياكل الإدارية القائمة وتصحيحها وتحديد الوظائف المطلوبة حسب نوعية العمل ومدىصعوبته والأنشطة المتضمنة بها ويوفر إطار شمولي يمكن من معرفة الحاجيات الحقيقية بشكل جيد وإلمام تام لمسارات ومسالك بين مختلف مكونات الإدارة ( هياكل – أنظمة) و يساهم في تكوين خريطة للموارد البشرية
-التفكير في إقرار نوع من إعادة الانتشار يهم صنف معين من الكفاءات وذلك لمدة محددة ولأهداف معينة، لتأهيل مرافق المصالح الخارجية لتقوم بالدور المطلوب منها.
- التقليص من التفاوت الطبقي للتعويضات بين الإدارات العمومية حيث ينعم موظفو إدارات بامتيازات متعددة من منح سنوية أو نصف سنوية، في حين يحرم زملائهم بقطاعات إدارية أخرى دون أسباب موضوعية، وطالما هذا التفاوت موجود فلن تنجح عملية إعادة الانتشار وفق ما هو مبرمج لها.
- جعل إعادة الانتشار آلية اختيارية بيد موظفين الدولة في البداية لإنجاح العملية خصوصا بالنسبة للذين لا تطرح لهم أية مشاكل إلى حين استقرار الآليات الملائمة لطبيعة الموظف المغربي ومصلحة الإدارة.
- تجميع جميع الأنظمة الحالية التي تناهز 71 إطارا، في هيئات مهنية محددة منسجمة فيما بينها.
- تحديد برامج تكوينية مشتركة بين عدة قطاعات إدارية؛
- تحديد الشروط النظامية لإعادة الانتشار تسمح بنقل الموظفين من إدارة لأخرى وفق مساطر سلسة تستجيب لحاجيات الإدارة ولا تتعارض مع حقوق الموظف؛
- إعادة النظر في المساطر الجاري بها العمل حاليا في مجال تدبير المناصب المالية بين الإدارة العمومية ولا سيما فيما يتعلق بنقل المناصب المالية؛
- إقرار تحفيزات مادية وإدارية لفائدة الموظفين المستفيدين من عملية إعادة الانتشار (ترقيات تعويضات تولي مهام المسؤولية)؛
- التنصيص على الإطار الخاص بالتوزيع الجغرافي للموظفين وذلك لتحقيق توزيع عقلاني للموارد البشرية، دون المس بالضمانات المخولة للموظفين؛
- ضرورة التوفر على نظام للتدبير التوقعي للموظفين مما يساعد على اعتماد نظام جيد لإعادة الانتشار، يراعي الظروف الاجتماعية للموظفين.
- احداث وحدة ادارية دائمة يعهد اليها بالسهر على تنفيذ برنامج اعادة الانتشار ،وفق مخطط عمل سنوي يستند في مضامينه الى برامج قطاعية تحدد الاليات المعتمدة لتفعيل العملية برمتها بالنسبة لكل ادارة موزعة على عدةمراحل ،تهم المستوى الداخلي لكل ادارةثم مابين الادارات .
5- برنامج إعادة الانتشار نحو آفاق لتصحيح الاختلالات :
يعتبر عدم التركيز إحدى الآليات الكفيلة بتحسين تدبير الشأن العام والاستجابة عن قرب لحاجيات المواطنين والمتعاملين مع الإدارة وذلك عن طريق توزيع الاختصاصات بين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة التي يتعين منحها صلاحيات واسعة واختصاصات كبيرة تؤهلها للانتقال من وسيلة إخبار بين الإدارة المركزية والمواطن إلى أداة قرار حسب مجال تدخلها باعتبارها مخاطب محوري وأساسي للفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
لذا، فإن الأمر يتطلب توفير موارد بشرية مؤهلة ومكونة لأجل تحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك عن طريق إعادة انتشار الموظفين والعمل على إدماجهم في مهامهم الجديدة لتتلائم مع خاصيات البيئة الجديدة وتستجيب لمتطلبات الجهوية.
وإن من شأن تفعيل النصوص القانونية المصادق عليها مؤخرا المتعلقة بإعادة الانتشار والتكوين وتقييم الأداء، انطلاق أوراش إعداد دليل مرجعي للوظائف والكفاءات الخاص بكل إدارة والذي سيمكن من مباشرة التوظيفات وفقا للحاجيات الحقيقية والتوقعية المعبر عنها من طرف الإدارة وإقرار مبدأ ملائمة المنصب مع الاختصاصات المساهمة في الرفع من القدرات التدبيرية للإدارة المغربية.
لذا، فإنه يتعين أن تباشر عمليات إعادة توزيع الاختصاصات والموارد البشرية والمادية بين الإدارة المركزية ومصالحها الخارجية في إطار برنامج إعادة الانتشار لموظفي الادارات العمومية يعتمد في مساراته التنسيق والتوافق والحوار دون المس بالمبادئ الأساسية للتدبير المعقلن للمرافق الحكومية مع تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها لأجل إقرار إدارة حديثة ومواطنة.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 2 autres membres