الرفع من الأجور سينعكس سلبا على التوازنات

قال محمد ياوحي، أستاذ الاقتصاد بجامعة ابن زهر بأكادير، أن قضية الرقع من الأجور التي تعتزم الحكومة الحالية الرفع من قيمتها، سينعكس لا محالة وطبقا لدراسات نظرية مدعومة بتحليل لتجارب مختلفة على التوازنات الاقتصادية، معتبرا أن الزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص ستعيق الاستثمارات الأجنبية، حيث أن معدل الأجور يعتبر عاملا محددا في جذب الاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن يد عاملة مؤهلة بتكلفة منخفضة.
وأبدى الدكتور ياوحي تفهمه لطبيعة الحاجيات المجتمعية للأسر المحتاجة، التي أفرزت نفقات إضافية (نفقات الهاتف والانترنيت، التعليم الخصوصي للأطفال، عيادة المصحات الخاصة المكلفة بعد تدهور الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، ارتفاع صاروخي في أثمنة السكن و العقار والمواد الغذائية الأساسية، أسعار الفائدة المبالغ فيها من طرف الأبناك،...). كل هذه العوامل أدت إلى ازدياد نفقات الأسر المغربية مع لجوء الأغلبية منها لقروض الاستهلاك التي ترهن مستقبل هذه الأسر ومستقبل أبنائها لسنوات طوال.
وكعضو في اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة الحالية، أعتبر أن الرفع من الأجور لن يزيد إلا الطين بلة، والورش الحقيقي الذي يجب أن يفتح، برأيه، هو تحسين القدرة الشرائية الحقيقية للمواطن المغربي عبر العمل على تخفيض أسعار السلع و الخدمات الأساسية، وتوفير مختلف الحاجيات ذات الأولوية بأثمان معقولة من مسكن وملبس وغذاء وخدمات صحية وتعليمية....الخ.
بعض الأوساط الإعلامية تتحدث عن اعتزام رئيس الحكومة الرفع من الأجور في القطاعين العام والخاص، و رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم، ما تعليقكم؟
أولا، سأحاول تقديم إجابات كباحث أكاديمي إجابات اقتصادية مبنية على تحليل علمي وموضوعي، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى.
فعلا، هناك غليان اجتماعي، و ضغوطات من مختلف الفاعلين، وخصوصا النقابات، من أجل الرفع من الحد الأدنى للأجر، و هذه المطالب نتفهمها في ظل التدهور المستمر للقدرة الشرائية، والوضعية المعيشية لأغلب مكونات الطبقات الاجتماعية المتوسطة و الفقيرة، حتى أننا أصبحنا نشهد ” برتلة “ الطبقات المتوسطة نتيجة لارتفاع مستمر للأسعار، وخاصة المواد الاستهلاكية الأساسية، و لكن أيضا نتيجة لتطور الحاجيات المجتمعية لهذه الطبقات التي أفرزت نفقات إضافية (نفقات الهاتف والانترنيت، التعليم الخصوصي للأطفال، عيادة المصحات الخاصة المكلفة بعد تدهور الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، ارتفاع صاروخي في أثمنة السكن و العقار والمواد الغذائية الأساسية، أسعار الفائدة المبالغ فيها من طرف الأبناك،...). كل هذه العوامل أدت إلى ازدياد نفقات الأسر المغربية مع لجوء الأغلبية منها لقروض الاستهلاك التي ترهن مستقبل هذه الأسر و مستقبل أبنائها لسنوات طوال. أمام هذه الوضعية، أصبح المطلب العام لهذه الطبقات الشعبية، هو الزيادة في أجورها من أجل تحسين وضعيتها المعيشية. إلا أن نظرة عميقة و مستفيضة لهذه الإشكالية، تميط اللثام عن المشكل الحقيقي و الأساسي، الذي يكمن في استحواذ أقلية قليلة من أفراد المجتمع على القطاعات الإنتاجية الأساسية، و استفادتها من قربها من مراكز القرار من أجل مراكمة الأرباح والاستفادة من امتيازات الريع الاقتصادي التي تتم على حساب أوسع فئات الشعب المغربي. فبعد مسلسل ممنهج من عمليات خوصصة وتفويت قطاعات حساسة وأساسية للوبيات اقتصادية مغربية و أجنبية واحتكار القطاعات الإنتاجية الإستراتيجية ، أصبحنا نشهد ارتفاعا صاروخيا في أثمنة مختلف المواد والخدمات الأساسية ، مما شكل إرهاقا لميزانية الموطن المغربي وبالتالي لجوئه إلى مختلف أشكال الاحتجاج من أجل تحسين قدرته الشرائية وتمكينه من تلبية حاجياته الأساسية.
ما هي الانعكاسات الاقتصادية المتوقعة لمثل هذا القرار برفع الأجور؟
يجب التأكيد على أن رفع الأجور، سينعكس لا محالة وطبقا لدراسات نظرية مدعومة بتحليل لتجارب مختلفة على التوازنات الاقتصادية ، ويمكن أن نلخصها كما يلي :
1- إن أي محاولة للرفع من الأجور في القطاع العام ، سيؤدي إلى مطالبة العاملين في القطاع الخاص بزيادة مماثلة (حسب الاقتصادي الفرنسي J.BOURDU).
2- الزيادة في الأجور في القطاع العام ستؤدي إلى إنهاك ميزانية الدولة التي تعاني من عجز مزمن، والزيادة في الحد الأدنى للأجر ستدفع باقي الأجراء إلى طلب الزيادة في الأجور واحترام الفوارق بين مختلف سلالم الترقية و كذا الشهادات المحصل عليها.
3- الزيادة في الأجور سترفع من الطلب الداخلي، وهذا ما ستكون له انعكاسات تضخمية (ارتفاع الأسعار)، وفي ظل محدودية الطاقة الإنتاجية للنسيج الاقتصادي الوطني، سترتفع الواردات الاستهلاكية، مما سيعمق من عجز الميزان التجاري.
4- الزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص سيتسبب في زيادة تكاليف المقاولات ، مما سينعكس سلبا على تنافسيتها، هذا الانعكاس السلبي سيكون أكثر تأثيرا على المقاولات الصغرى والمتوسطة التي يعاني أغلبها من خصاص مهول في مصادر التمويل. وعلما بأن هذا النوع من المقاولات هو الذي يخلق نسبا جد مهمة من فرص الشغل، فإن ارتفاع التكلفة الأجرية لهذه المقاولات سيكون لا محالة عائقا أمام خلقها لفرص الشغل، وبالتالي امتصاص البطالة.
5- بالنسبة للمقاولات المصدرة ، فستجد نفسها أمام تكاليف إضافية , ستحد من تنافسيتها في السوق الدولية ، أمام مقاولات منافسة تستخدم عمالا مؤهلين بأجور منخفضة ، خصوصا المقاولات الأسيوية وأخرى من الدول النامية .
6- أما المقاولات التي تنشط في السوق الوطنية ، فإنها ستعمد إلى الرفع في الأسعار لأجل تغطية التكاليف الإضافية المتعلقة بالزيادة في الأجور ، هذه الزيادة في الأسعار ستضعف القدرة الشرائية لمجموع المواطنين ، بما فيهم العمال داخل المقاولات ، هؤلاء سيطالبون بزيادة جديدة في الأجور ، هذه الزيادة سترهق ميزانية المقاولة التي ستعمد إلى الرفع من جديد في الأسعار ، الشيء الذي سيولد حلقة مفرغة من الزيادات في الأجور من جهة , والأسعار من جهة أخرى . وهذا ما نسميه في الاقتصاد الدوامة التضخمية
(SPIRALE INFLATIONNISTE).
7- الزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص ستعيق الاستثمارات الأجنبية، حيث أن معدل الأجور يعتبر عاملا محددا في جذب الاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن يد عاملة مؤهلة بتكلفة منخفضة.
وهكذا، يمكن إجمال التبعات السلبية للزيادة في الأجور في إرهاق ميزانية الدولة ، تعميق عجز الميزان التجاري، الحد من قدرة المقاولة على خلق فرص الشغل وتدهور تنافسية المقاولات الوطنية أمام نظيراتها الأجنبية ، تحفيز الموجات التضخمية والتأثير سلبا على جاذبية بلدنا للاستثمارات الأجنبية التي تساهم في خلق فرص الشغل وجلب العملة الصعبة بالإضافة إلى توطين التكنولوجيا.
إذن ما الحلول التي تقترحونها كباحث اقتصادي، وفي نفس الآن كعضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية؟
انطلاقا من التحليل المقتضب لوضعية اقتصادنا ولطبقاته الاجتماعية ، وللانعكاسات الجانبية لكل محاولة للرفع من الأجور، وانطلاقا كذلك من اصطفافنا إلى جانب الجماهير الشعبية، فإنني أعتقد شخصيا، أنه يجب الانخراط في إصلاحات هيكلية وجذرية لنمط الإنتاج السائد الذي يفرز اختلالات اقتصادية تنعكس سلبيا على السلم الاجتماعي وعلى مسلسل الإصلاحات السياسية في بلادنا التي نريدها أن تكون إصلاحات عميقة وحقيقية، وليس مسكنات مرحلية. فكما قلت سابقا ، الرفع من الأجور لن يزيد إلا الطين بلة، والورش الحقيقي الذي يجب أن يفتح ، هو تحسين القدرة الشرائية الحقيقية للمواطن المغربي، وهذا عبر العمل على تخفيض أسعار السلع و الخدمات الأساسية، وتوفير مختلف الحاجيات ذات الأولوية لشعبنا بأثمان معقولة من مسكن وملبس وغذاء وخدمات صحية وتعليمية، وهذا عن طريق تشجيع المنافسة والتقليل من نفوذ الاحتكارات والمجموعات الاقتصادية المهيمنة، وإعطاء متنفس للمقاولات الصغرى والمتوسطة وتشجيع الشباب حاملي الشهادات على خوض هذه التجربة ، شريطة تأمين الشروط القمينة بإنجاح هذه المشاريع وإعطائها الضمانات الكافية الاقتصادية والمؤسساتية.
و كذلك من الأساسي أن تكون الأوراش الكبرى التي دشنها المغرب في السنوات الأخيرة في خدمة المواطن المغربي قبل كل شيء، فالسياسات الصناعية و الفلاحية و السياحية و التعليمية و الإسكانية...الخ يجب أن تضع تلبية احتياجات المواطن المغربي وتحسين مستواه المعيشي في صلب اهتماماتها وأولوياتها. كما يجب إعادة النظر في السياسة الضريبية، وجعلها أكثر فعالية وعدالة عن طريق توسع الوعاء الضريبي ليشمل القطاعات والمقاولات التي تتملص من المساهمة في أداء هذا الواجب الوطني. وفي الأخير لا يجب أن ننسى أن أولوية الأولويات للحكومة الحالية هي ملف التشغيل، وأنا شخصيا أفضل أن ترصد الميزانية التي قد ترصد للزيادة في الأجور لخلق مناصب شغل جديدة، خصوصا في القطاعات التي تشهد خصاصا كبيرا من حيث الموارد البشرية، مثلا قطاع التعليم، الصحة، القضاء، مفتشو الشغل ومفتشو وأعوان مصالح وزارة المالية الخ... وأتمنى التوفيق لهذه الحكومة التي من الأكيد أنها تستحضر حساسية المرحلة وثقل الإكراهات والتحديات وكذا انتظارات شعبنا المغربي.
A découvrir aussi
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 2 autres membres