المشهد السياسي في المغرب
يظل التساؤل عن المشهد السياسي في المغرب بالأساس تساؤلا عن طبيعة النظام السياسي، إذ لا يمكن منهجيا تحليل مواطن الخلل في هذا المشهد دون استقراء الأساس الإستراتيجي المهيكل له ،والذي يتحكم فيه الملك باعتباره الفاعل الاساسي في هذا المشهد، وكذا دوره المركزي في تحديد قواعد اللعبة السياسية من أجل ضبط الحقل السياسي وكذلك خلق التوازن بين أطراف الصراع السياسي من جهة، والديني من جهة اخرى .
1- الفاعلون في المشهد السياسي المغربي :
يعرف المشهد السياسي المغربي تطورا على مستوى الفاعلين ( المؤسسة الملكية ، المؤسسة الحزبية، الحكومة، البرلمان ،وسائل الاعلام ، الجماعات المحلية ...) الا اننا في هذا الموضوع سنقتصر على كل من المؤسسة الملكية ،والمؤسسة الحزبية بالاضافة الى وسائل الاعلام باعتبارهم الفاعلين الاساسين في المشهد السياسي المغربي .
* المؤسسة الملكية :
بصرف النظر عن الاختصاصات الكلاسيكية لرئيس الدولة يبدو أن المكانة السياسية- الدستورية للمؤسسة الملكية تحتل موقعا مهيمنا في الهرم الدستوري برمته، كما يجسد ذلك الفصل التاسع عشر من الدستور المغربي الذي ينص على أن الملك هو "أميرالمؤمنين والممثل الأسمى للأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حاميحمى الدين والساهر على احترام الدستور. وله صيانة حقوق وحريات المواطنينوالجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرةحدودها الحقة".وإذا كان الفصل التاسع عشر من الدستور مفتاحا مبدئيا لتبيان مركز المؤسسة الملكية في البناء الدستوري، فهو يجسد أيضا المنطلقات العقائدية الكبرى التي تراهن عليها الملكية لإدارة دفة الحكم في البلاد دون أن تكون سلطتها محل نقاش أو موضع تقليص فعلي بمناسبة المراجعات الدستورية الأساسية لسنوات 1970 و1972 و1992 و1996، علاوة على أن الملكية تتوفر دستوريا على سلطة كبرى في مجال التعيين حسب الفصل 24 من الدستور المغربي .وبالاضافة الى المكانة الدستورية للمؤسسة الملكية في المشهد السياسي المغربي، فان هذه الاخيرة تنطلق من اعتبارات تتجاوز المنطوق الدستوري لتستحضر جوانب مستمدة من الثقافة السياسية السائدة اعتمادا على شرعية تقليدية تمزج بين الدين والتاريخ .وعلى هذا الأساس تتجه إلى الدلالات الدينية لتوظيفها في خطابها السياسي قصد تأكيد سموها السياسي الدستوري، معتبرة أن أمر الحكم في المغرب يتصل برابطة بين الملك وشعبه (البيعة).وبالوقوف على المكانة الدستورية والسياسية للمؤسسة الملكية في المغرب يبدو جليا على أنها تجعل نفسها فوق المنافسة السياسية مع كونها محور كل العمليات السياسية . فالملكية تؤكد طابعها "القدسي" باعتبارها "مؤسسة المؤسسات".
*المؤسسة الحزبية :
تثير إشكالية مكانة الحزب في النظام السياسي المغربي لزوما الوضعية التي سطرها المشرع الدستوري للمؤسسة الحزبية ترتيبا على الاختيارات الإستراتيجية للنظام من جهة، وطبيعة الرهانات المتصلة بالأحزاب السياسية في المجال السياسي الوطني مرحليا وإستراتيجيا من جهة ثانية.فقد جعلت الملكية من التعددية الحزبية مبدأ دستوريا ثابتا يلخص مراهنتها على واقع سياسي تعددي ينسجم مع طبيعة المؤسسة الملكية الحاكمة والتحكيمية. حيث تجد التعددية الحزبية في المغرب ترجمتها الدستورية في البند الثاني من الفصل الثالث من الدستور الذي ينص على أن "نظام الحزب الوحيد غير مشروع"، كما أن الفصل التاسع يشدد في بنده الثالث على حرية جميع المواطنين في تأسيس الجمعيات والانخراط في أي منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم . وقد اتسمت الحياة السياسية في المغرب بأزمة مستحكمة على صعيد البناء المؤسساتي ، حيث تجد أبرز تجلياتها في غياب انتخابات محسومة ومعترف بها منذ عام 1963، وهو ما شكل عقبة أساسية أمام تحقيق التراضي السياسي والحسم في قواعد ما يسمى "المسلسل الديمقراطي".الا ان "الانتصار" السياسي الذي حققته الملكية في صراعها المضمر أو المكشوف مع المكونات الحزبية التاريخية (الحركة الوطنية) والذي انتهى باستعاب الملكية للحركة الوطنية ولأغلبية الفاعلين السياسين الذين لم يعودوا يتحاورون مع الملكية لخدمة مشروعهم الوطني الذي يقدمون أنفسهم على أنهم متعاهدين عليه بل أصبحوا في خدمة مشروع الملكية .وقد عمدت هذه الاخيرة في التسعينيات إلى بلورة توازن جديد تمثل في طرح ما وصف بـ"التناوب التوافقي" الذي قام على أساس إشراك المعارضة التاريخية في العمل الحكومي كطرف مركزي مع تعيين وزير أول من بين صفوفها ممثلا في الكاتب الأول الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي السيد عبد الرحمان اليوسفي ،وهي تجربة دامت أربع سنوات ما بين مارس 1998 وأكتوبر 2002، والتي أسهمت في قطيعة مع منطق الاستمرار الحزبي في مواقع محددة سلفا داخل المؤسسات.وقد عززت الانتخابات التشريعية 2002 هذا المسار، حيث شكلت في مؤداها تطورا لا يمكن تجاهله، إذ أتاحت توضيح جملة من المعطيات السياسية وأسهمت نسبيا في إعطاء الفعل الانتخابي مدلولا معينا يمكن اختزاله في تجاوز المأزق الانتخابي في مظاهره المعيبة التي تجد سندها في بنية التزوير، نفس الامر بالنسبة للانتخابات التشريعية الاخيرة 2007 التي عرفت نوع من المصداقية والشفافية باجماع مختلف مكونات المجتمع المغربي وكذا المنظمات الحقوقية المغربية والدولية .الا ان لافة للانتباه في الانتخابات الاخيرة هو ضعف اقبال الناخبين على مكاتب التصويت ، حيث ان نسبة المشاركة كانت لا تتعدى 41% مقابل 52% بالنسبة للانتخابات التشريعية 2002 هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فان عدد الناخبين المسجلين في الوائح الانتخابية لم يتجاوز 15,5 مليون شخص في بلد يقارب عدد سكانه ثلاثين مليون مواطن . وهذا يعني أن 6,4 ملايين ناخب فقط هم من حددوا شكل المؤسسة التشريعية ناهيك عن أوراق التصويت الملغاة التي ارتفع عددها بشكل ملفت للانتباه ايضا.وهذا ان دل فانه يدل على لامبالاة شرائح واسعة من المجتمع المغربي بالعملية الانتخابية ،وهو تعبير ايضا عن فقدانهم الثقة في الاحزاب ،وكذا تعبيرهم عن رغبتهم في النفور من العمل السياسي وفق النظم التي تواضعت عليها أجهزة الدولة والاحزاب الرئيسية ،وكذا رفطهم لمنطق التعينات التي تتم خارج الانتماءات الحزبية (الاستوزار) والتي برزت بشكل كبير في الانتخابات التشريعية الاخيرة، والتي ستؤدي مستقبلا الى مزيد من نفور المواطنين من المشاركة السياسية، وكذا توسيع الهوة بين المواطنين والاحزاب، الامر الذي سينعكس على المسلسل الديمقراطي الذي تعتزم الدولة المغربية نهجه .
* وسائل الاعلام :
يتجلى دور وسائل الاعلام بمختلف مكونتها (المرئية ،السمعية ،المكتوبة ) خلال اقتراب الحملة الانتخابات التشريعية او الجماعية في حث المغاربة على ضرورة المشاركة السياسية ،وربط هذه المشاركة بمفهوم المواطنة الصالحة ،كما انها تفتح أبوابها لزعماء الاحزاب لتقديم برامجهم الانتخابية وترديد شعارتهم البراقة ،وادعاء بعضهم نهج "الديمقراطية الاجتماعية" وكذا دفاعهم عن الطبقات الكادحة ،وكذلك قدرتهم على خلق مناصب شغل للمواطنين بل يصل الامر ببعضهم الى ادعاء حلول سحرية لخلق مليون منصب شغل بالاضافة الى قدرتهم على رفع نسبة النمو الى 10% . كما يتجلى دورها ايضا في تغضية مؤتمرات الاحزاب ،وكذا تغضية الحملات الانتخابية التي يقوم بها مرشحين الاحزاب داخل دوائرهم الانتخابية . أما يوم الاقتراع (الحسم) فانها تتابع عن كثف مدى مشاركة المواطنين واقبالهم على صناديق الاقتراع ،كما تنقل للمواطنين اجواء التي تمر منها عملية التصويت (هل هناك خروقات أم لا ) ،كما تقوم ايضا بمرافقة زعماء الاحزاب وهم يمارسون واجبهم الانتخابي ،مع تسجيل ارتسامات بعض المواطنين حول الانتخابات .
وفي الاخير فانها تنقل نتائج التصويت كما تعلنه الجهات الرسمية (وزارة الداخلية). وتصريحات مسؤولي الاحزاب التي حصلت على اكبرعدد من المقاعد في البرلمان . واعطاء بعض القراءات حول معالم تشكيل الحكومة .
2- سمات المشهد الحزبي المغربي :
بتأمل واقع المشهد الحزبي في المغرب نلاحظ ان هذا الاخير يعرف أزمة حقيقية ،يمكن ان نختزلها في تشرذم العمل الحزبي من جهة ،وانسداد التنظيمي من جهة اخرى .
* تشرذم العمل الحزبي في المغربي :
تتجلى أهم مظاهره في :- كون العديد من الاحزاب السياسية المغربية أصبحت مؤسسات مغلقة ، تغيب فيها الممارسة الديمقراطية الداخلية بما فيها التداول الداخلي للسلطة ،باستثناء بعض الممارسات التي أقدم عليها بعض الاحزاب المغربية كالحزب الاتحاد الاشتراكي ،والحزب العدالة والتنمية .- ترسيخ الولاء للاشخاص في المخيال الشعبي دون التركيز على أسماء الاحزاب او برامجها او اديولوجيتها ،وهذا يرجعه البعض الى ارتفاع نسبة الامية والجهل والى روابط القبلية والعشائرية التي تربط المواطن العادي بزعماء الاحزاب . - شيخوخة زعماء الاحزاب .- استفحال ظاهرة الانشقاقات والتفكوكات بدل التوجه نحو الانصهار والتكتل .والذي أنتج لنا أكثر من ثلاثين حزبا .وهو سلوك يعود إلى نوع من التوجه الانقسامي الذي يدل على عدم قدرة قادة الاحزاب على تدبير الاختلافات بشكل ديمقراطي .- عدم قدرة بعض الاحزاب على انتاج وبلورة تصورات وأفكار ومشاريع اجتماعية وسياسية واضحة المعالم تستمد مقومتها من الواقع ،كما ان خطاباتها لازالت جامدة ومتجاوزة ولا تواكب التحولات الاجتماعية والسياسية وتصورات وانتظارات الاجيال الجديدة ،فيما تفتقر غالبيتها ايضا الى مشروع مجتمعي واطح المعالم ،بعدما تحولت من مؤسسات مفترضة للتأطير السياسي والتنشئة الاجتماعية وبلورة المطالب الى قنوات انتخابية مغلقة تنتج نخبا تبرر الخطابات الرائجة ولا تستحضر سوى مصالحها ،فحضورها (الاحزاب) تطبعه المرحلية وغالبا ما يقترن بالمناسبات الانتخابية . - غياب رؤية استراتيجية للفعل التكتلي الذي يغلب عليه طابع المؤقت ورد الفعل والمواجهة القاصرة للأحداث السياسية. ولعل المصير الذي آلت إليه الكتلة الديمقراطية المشكلة أساسا من حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال كان دليلا على هذا المعطى المعيب في تاريخ الممارسة الحزبية المغربية، إذ بموازاة ظهور الكتلة كقوة تفاوضية في دينامية الإصلاح السياسي والدستوري بالمغرب منذ ماي 1992 تجلت حدودها الطبيعية مع تأسيس حكومة "التناوب التوافقي" بعد أن كانت أهم النزاعات والتباينات متمحورة حول طرفيها الأساسيين (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) ، اللذين فشلا في تدبير اختلافهما ولم يفلحا في تشكيل حكومة ائتلافية بعد انتخابات سبتمبر 2002 رغم تصدرهما لنتائجها. فكان تعيين وزير أول خارج المرجعية الحزبية (ادريس جطو) بمثابة معاقبة لهما من الناحية السياسية على اعتبار أنهما لم يعطيا أي مدلول لما تحقق في هذه الانتخابات، بل أعادا إنتاج ما كان يشكل - إلى ماض قريب- قوام إستراتيجيتهما المطلبية على مستوى تخليق الحياة السياسية.
*الانسداد التنظيمي وإشكالية الديمقراطية الداخلية :
تعتبر الديمقراطية الداخلية البعد الغائب في الممارسة الحزبية المغربية رغم أن جميع الأحزاب تعطي الانطباع - بنسب متفاوتة- على حرصها على تفعيل قوانينها الداخلية وممارسة نشاطها السياسي وفق الضوابط التنظيمية وترتيبا على هاجس سلوك سياسي يوصف بالديمقراطية الداخلية.والواضح أن تبريرات اللجوء إلى تأسيس أحزاب جديدة انبرت جلها إلى طرح غياب الديمقراطية الداخلية أو البحث عن فضاء تنظيمي أرحب يؤمن بالتعددية أو إتاحة مجال متطور للفعل السياسي كمحددات محورية للوجود على الساحة السياسية. غير أن هيمنة البحث عن موقع وازن - شكليا على الأقل- داخل النظام غيبت عمليا البحث عن السبل الإجرائية لإعمال الديمقراطية الداخلية على المستوى الحزبي خاصة وأن الأهداف تتباين ترتيبا على المنطلقات.وإذا كانت الأحزاب التابعة للمصالح الإستراتيجية للنظام تغض الطرف عن الدينامية التنظيمية، فإن واقع حال الأحزاب المصنفة ضمن الحركة الوطنية أو اليسار الإصلاحي أو حتى اليسار الجذري تجد نفسها منتجة لسلوك يبتعد في جوهره عن إعطاء أي مدلول للدينامية التنظيمية أو الديمقراطية الداخلية.ويلاحظ في هذا الخضم استمرار منطق الزعامة وإنتاج وإعادة إنتاج نموذج "الشيخ والمريد"، كما أن التجربة الحزبية المغربية لم تنتج البتة أي تحول في الزعامة أو القيادة الحزبية خارج الانشقاق الفوقي، أي في ظل غياب الحركية التنظيمية بشكل تتحول معه الممارسة الحزبية إلى ممارسة قيادات أو سلوك نخبة دون أن يكون للقاعدة الحزبية أي دور حقيقي في صياغة القرار خاصة القرار الإستراتيجي الذي يسم حياة الحزب وموقعه في الخريطة السياسية.وتعتبر تزكية الشخصيات الحزبية في مواقع المسؤولية على العموم نتاج السلطة التقديرية للزعيم أولا وللقيادة ثانيا ضمن نسق لا يختلف جوهريا عن النسق العام للنظام، أي وفق منطق العلاقة الشخصية أو الارتباط العاطفي للتيار السائد داخل الحزب أو العائلي - خاصة في المناصب الوزارية- في تجاهل شبه تام للاستحقاق ببعديه الحزبي - السياسي والتقني- الموضوعي، وهو ما يؤثر بداهة على التوازن الداخلي للأحزاب ويحولها إلى مكونات قابلة للتشرذم .وفي ظل غياب المد الديمقراطي الضروري على مستوى الممارسة الحزبية ينتقل الفعل الحزبي إلى ممارسة مصلحية ترنو إلى المناصب والمراكز وتنشد المواقع دون أن يكون لذلك أي تأثير على مستوى العمل السياسي العام، وكأن الأمر متعلق بجماعات ضاغطة محدودة أكثر منها هيئات سياسية عامة.3
- واقع المشهد السياسي المغربي :
ان واقع المشهد السياسي المغربي في السنوات الاخيرة، واقع مليئ بالاختلالات التي ليست في صالح المجتمع ولا في صالح الدولة ولا في صالح الاحزاب السياسية نفسها ،ذلك أن تأمين انتقال ديمقراطي حقيقي يتطلب انخراط من قبل الدولة والمجتمع بمختلف مكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية .والمتتبع للمشهد السياسي المغربي في الاونة الاخيرة يرى ان هذا الاخير لايعرف الاستقرار وانه دائما الغليان، وغني بالمستجدات التي تظهر هشاشة هذا المشهد وخير دليل على ذلك هو التركيبة الحكومية الاخيرة التي لا تعكس ما حققه المغرب من تطور على مستوى شفافية ومصداقية الانتخابات الاخيرة ، ذلك بسبب تعين بعض الوزراء غير المنتمون للاحزاب السياسية ،الامر الذي سيجعل المواطن المغربي يزداد نفور من المشاركة السياسية ، وبتالي انعكاس ذلك على المسلسل الديمقراطي للمغرب .كما عرف هذا المشهد ايضا اعلان السلطات المغربية ولأول مرة عن اعتقال شخصيات سياسية وصحفية تقول انهم ينتمون الى شبكة ارهابية كانت تهدف الى تنفيذ اغتيالات في صفوف مسؤولين سياسين وعسكرين كبار ،وقد اطلق على هذه الشبكة اسم شبكة بلعيرج نسبة الى اسم قائدها (عبد القادر بلعيرج ) ،مما أدى الى حل حزب البديل الحضاري الذي ينتمي اليه اعضاء الشبكة ، وكذا اغلاق مقره ومصادرة وتجميد أمواله ،في حين ان التحقيق مستمر مع أعضاء هذه الشبكة ،وما زال القضاء لم يدلو بدلوه . الا ان المستجد الاكثر حرارة في هذا المشهد هو الاعلان عن ظهور ما يسمى "بحركة لكل الديمقراطيين" والتي تحولت الى حزب اطلق عليه اسم "الاصالة والمعاصرة" الذي فرض نفسه على الساحة السياسية لاستقطابه أنصار من داخل الاحزاب العريقة في الساحة السياسية والتي مضى على تأسيسها عدة عقود منها حزب الاتحاد الاشتراكي ،حزب الاستقلال وحزب الحركة الشعبية ... بل تمكن هذا الحزب قبل ان يعقد مؤتمره التأسيسي الاول من التحالف مع حزب له مكانته السياسية وهو حزب التجمع الوطني للاحرارمشكلا بذلك أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب المغربي .
4-آفاق المشهد السياسي المغربي :
فالمشهد السياسي المغربي انطلاقا مما سبق سيظل مفتقرا لأبسط المقومات الإيجابية التي من شأنها المساهمة في الانتقال الديمقراطي، لأن الديمقراطية ليست في كثرة الأحزاب التي تتوالد يوما بعد يوم، أوفي انتخابات نسعى من وراءها تسويق وجه دولة الحق و القانون. بل الديمقراطية الحقة أو الانتقال الديمقراطي يلزم ثقافة سياسية جديدة لا يصبح فيها الحزب كمؤسسة مجتمعة مرتبطا بالزمن الانتخابي، بل يجب على الاحزاب أن تتبنى اصلاحات داخلية تسمح لها بتجاوز مختلف الاختلالات ، وكذا ضرورة تشبيب قيادتها الامر الذي يعطي دلالات نفسية وسياسية ايجابية يمكن ان توفر شروط المصالحة بين المواطن والشأن السياسي والتي ترسخ له القناعة بأهمية الانخراط في الاحزاب ،طالما انه سيجد نفسه داخلها والبطبع فلا يمكن ان نتصور أن الشباب سيصدون وجوههم عن قياداتهم التاريخية اذا ما تحملوا مسؤوليات قيادية لأن تطوير عمل الاحزاب يقتضي ايضا الانفتاح على تجارب هؤلاء الزعماء وخبراتهم . ومن المؤكد ان فتح المجال أمام الجيل الجديد ليتبوء مواقع قيادية داخل الاحزاب ينبغي ان لا يترك لمزاجية القادة بل ينبغي ان يؤطر بقواعد وضوابط قانونية .ومن اجل تعزيز ما سبق تبقى الاحزاب بحاجة الى شروط موضوعية وامكانيات دستورية تسمح لها بتطبيق برامجها والوفاء بالتزاماتها و"شعاراتها" التي تقطعها على نفسها أمام أعضائها وأمام الناخبين من داخل البرلمان أو الحكومة . ومن اجل تقوية دور الحكومة و البرلمان لابد من اصلاحات دستورية ترمي الى توسيع اختصاصات كل منهما حتى نتمكن من محاسباتهم ، كما يجب ايضا تحويل مطلب الديمقراطية من مطلب نخبة إلى مشروع مجتمعي يكون لكل فرد فيه حقوق وعليه واجبات .خاتمة :وصفوة القول فان الاختلالات التي يتخبط فيها المشهد السياسي المغربي تتقاسمه الدولة (المؤسسة الملكية) والاحزاب السياسية وكل فعاليات المجتمع بمختلف مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل ان هذا الوضع السياسي المتأزم ساهمت فيه المؤسسة الملكية بشكل كبير من خلال ما نهجته - وما زالت تنهجه – لاسيما عبر اجهزتها الامنية والاعلامية من سلوك أدى في مرحلة ما من التاريخ السياسي في المغرب الى نفور الناس من العمل السياسي .وللنهوض بالمشهد السياسي المغربي واحداث قطيعة مع ممارسات الماضي، لابد من تضافر جهود مختلف الفاعلين السياسين لاعادة ثقة المواطنين في العمل السياسي وذلك لن يتآتى الا بوجود ارادة سياسية قوية لذلك، والانتخابات الجماعية المقبلة التي ستجرى في يونيو 2009 ستكون بمثابة المحك لاستشراف مسار المشهد السياسي المغربي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 2 autres membres