Formations Divers

Formations Divers

المواطن المغربي و سؤال التنمية المحلية و ا

الحديث عن التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المستدامة، لم يعد مشروطا بالوقوف الحصري عند إنجازات العمل الحكومي و صيغ تصريفه اليومي للبرامج المسطرة على المستوى المركزي. لأن التكامل المفترض في العملية التنموية لا يمكن أن يتم في غياب التناغم الفعلي بين البرامج و الانجازات المحققة على المستوى المحلي و الجهوي من جهة، و الرؤية العامة المحددة لسياسة الحكومة في مسعاها لتجسيد مشروعها المجتمعي على أرض الواقع من جهة ثانية، خاصة و أن جزءا كبيرا من معيقات التطور و التقدم ، يرجع بالأساس إلى طبيعة الأخطاء المتراكمة الناتجة عن التدبير السيئ لشؤون الجماعات المحلية ، بسبب العقليات المتلهفة لولوج عالم الثراء من باب الموارد المحدودة للجماعات ، على حساب المصالح المختلفة للساكنة المحلية .

إذ يسجل الواقع ، العديد من تمظهرات الفهم الخاطئ و التوظيف الوصولي لعملية تمثيل السكان و تدبير شؤون جماعاتهم، من خلال اعتماد البعض على التواجد بالمؤسسات المرتبطة بشكل مباشر بالشؤون اليومية للمواطنين ، من جماعات حضرية و قروية، كوسيلة لتحقيق التسلق الاجتماعي، أو كأداة لتحصين المواقع و المصالح، خاصة في الجماعات التي ترتفع بها نسبة الأمية و الجهل .

و إذا كانت الحقائق واضحة للعيان في مجموع التراب الوطني، فإن السؤال الذي يطرح نفسه و بقوة في هذا الجانب، يتمثل في مدى وعي المواطن المغربي بأهمية التنمية المحلية و أدوارها في تدعيم التطور الاقتصادي و الاجتماعي للبلاد، و بالتالي مدى تحمله للمسؤولية في خلق شروط ذات التطور من خلال متابعته و مراقبته اليومية لعمل ممثليه في الجماعات الحضرية و القروية...

قبل العمل على محاولة تأطير التساؤل السابق بقراءة أولية تفسح المجال لفضاء أرحب للتحليل و النقاش، سيكون من المفيد أن نمهد لذلك بالحديث عن مجموعة من الأمراض المستعصية على الفهم  و المميزة للعديد من الجماعات المحلية التائهة في دروب الإهمال و العبث. و لتكن البداية من العالم القروي، حيث الفضاء أرحب بالنسبة للعديد من المستشارين الجماعيين الباحثين عن قنوات الاغتناء السريع ، بحيث يستغرب المرء كيفية انفراد مجموعة من الأفراد بالموارد المحدودة للكثير من الجماعات القروية و التصرف فيها، كما لو كانت ملكا خالصا لهم و لدويهم، خاصة و نحن نرى كيف تعمد بعض المجالس إلى اقتناء السيارات الفخمة ذات الدفع الرباعي من ميزانيات الجماعات الفقيرة، مع ما يصاحب ذلك من تنوع الأبواب المتعلقة بالمصاريف المخصصة للبنزين و التعويض عن التنقل و.. و.. و. ... الأمر الذي يؤثر بسلبية كبيرة في مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين المغلوبين على أمرهم ، التواقين إلى توفر أبسط الحاجيات الضرورية من مسالك طرقية و ماء صالح للشرب و مستوصف و سيارة إسعاف... هذه الأخيرة التي تغيب عن عدد كبير من الجماعات القروية في الوقت الذي تقتنى فيه السيارات الفخمة من ميزانياتها للسادة الرؤساء... لتظل بذلك العديد من القرى، عبارة عن ضيعة في ملك المستشارين العارفين بخبايا العمل الجماعي في البوادي المغربية، و طرق التمكن من خيراتها دون خوف من المتابعة أو الفضيحة و.... بدون ضمير بطبيعة الحال...

و لأن حال بعض المدن ببلادنا هو من حال قراها, فإن الحديث عن الخروقات و الفضائح المرتبطة بتدبير العديد من الجماعات الحضرية قد يرفع من نسبة السكر في دمائنا، لأن الصورة ببعض المناطق تجعل من الفلوجة و قندهار جزءا ذا مكانة في خريطة الوطن، و لعل خريطة المناطق الأكثر فقرا بالبلاد لأهم دليل على ذلك، الأمر الذي يرتبط ارتباطا عضويا بتجليات التكالب اليومي على مصالح المواطنين، و غياب الإرادة النبيلة للنهوض بالوضع الاقتصادي و الاجتماعي للجماعات الحضرية، و هو ما تجسده دورات هذه الجماعات، إذ غالبا ما تحضر الشكليات و البكائيات بغياب إستراتيجية التنمية المحلية. فبين ترضية خواطر العديد من الأعضاء، و البحث عن تحصين الوعاء الانتخابي على حساب القوانين، و اعتماد المصالح الذاتية في وضع مشاريع البرامج، و انعدام الحس الوطني ، بين كل ذلك، يشتد الخناق على حاضر الجماعات المحلية ببلادنا و مستقبلها بالشكل الذي يساهم في وضع العديد من العراقيل أمام قطار التنمية الوطنية المستدامة.

طيب إذن، لنقف عند هذا الحد في بسطنا لبعض مظاهر الخلل في التدبير اليومي لشؤون جماعاتنا القروية و الحضرية، لأن القارئ و لا شك يصطدم بها صباح مساء في حياته اليومية، الأمر الذي يحيلنا مباشرة إلى التساؤل المؤطر لهذا الموضوع و المتمثل في وعي المواطن بانعكاسات ما سبق ذكره على مسار التطور الذي تعرفه بلادنا، لأن حضور الوعي بأهمية التنمية المحلية في تدعيم الإصلاحات الجوهرية على المستوى الوطني، لا شك سيضع مجموعة من المظاهر و المواضيع على طاولة التناول اليومي في نقاشات المواطنين. فالحديث عن التعبئة الجماعية و نشر ثقافة التفاؤل بالمستقبل يظل في شق هام منه مرتبطا بالحالة النفسية للمواطن، الذي تتحدد مواقفه عادة انطلاقا من مستوى التحول الذي تعرفه منطقته بغض النظر عما يقع بمناطق أخرى من الوطن، لأن من يبحث عن قطرة ماء شروب بأقاصي الأطلس الكبير، لا يمكن أن يفكر في أهمية المشاريع الضخمة من موانئ و طرق سيارة و قرى سياحية و غيرها، كما أن المواطن الذي يعاني المر من شطط الشيخ و المقدم و المستشار ببلدته، لا يمكن أن يطمئن لطي صفحة الماضي الدموي الأليم، لأن الماضي حاضر و بقوة في الشطط المستمر في العديد من المدن و القرى. فما يقع محليا يضع حاجزا دون المواطن و حقيقة التحولات الهادئة التي تعرفها بلادنا، و بالتالي تفقد هذه الأخيرة أهم عنصر متحكم في تطورها، أي الإرادة الشعبية القادرة على اتخاذ المواقف من موقع العارف بالشيء و المتمكن من خيوطه. و لعل ذلك من النتائج الجوهرية لحالة اللامبالاة التي تطبع تفاعل شرائح واسعة من الشعب المغربي مع الشأن العام ، بسبب غياب الثقة الناتجة عن التناسل اليومي لفضائح ممثليها في المؤسسات المحلية المنتخبة. كما أن الصورة السلبية التي يتركها العديد من المستشارين الجماعيين أمام الرأي العام تجعل من المحطات الانتخابية موعدا أجوفا لدى نسبة كبيرة من المواطنين ، بحيث تؤدي حالات التلاعب بالوعود و تفشي الزبونية و المحسوبية في التعامل مع ملفاتهم إلى خلق نوع من انعدام الثقة في حقيقة الخطابات و البرامج المقدمة من طرف الأحزاب، كشكل من أشكال العقاب الجماعي الذي يطال الصالح قبل الطالح منها. طيب مرة أخرى، هل نمني النفس بمستقبل مؤسس على البكائيات؟ و هل يكفي أن نسرد بحرا من المشاكل و أثارها التي نجترها يوميا و بإدمان غريب؟ ماذا لو تحمل المواطن مسؤوليته قبل المسؤول نفسه؟. في ذلك شحنة زائدة من الأمل، و قد نعترف بأننا نبتعد قليلا عن الواقع، و لكن صناعة المستقبل هي في عمودها الفقري صناعة لواقع سياسي اقتصادي و اجتماعي متماسك، قوي و مزدهر. الأمر الذي يقتضي التحول من منطق المواطن المتفرج الغريب عن دينامية التحول في بلاده، إلى الفرد الفاعل و المؤثر ... بل و المحدد... في و لكافة الاختيارات المرتبطة بحياته. و بالتالي يصبح مطلب معرفة الواقع الحقيقي للبلاد ضرورة تفرض نفسها على كل واحد منا, و من ذلك معرفة التكامل المفترض بين التنمية المحلية و التنمية الوطنية، لأنه كما أن مختلف القطاعات... من فلاحة و صناعة و سياحة و غيرها... تساهم في النمو الاقتصادي للبلاد سواء سلبا أو إيجابا، فإن الجماعات المحلية الحضرية و القروية تساهم بدورها في ذلك، بل إنها قاطرة أساسية في التنمية بالنظر إلى مجموع الاختصاصات الموكولة لها في إطار اللامركزية. و هو ما يقتضي في جانب آخر إدراك المواطن لأهمية تواجده في الصورة، من خلال عمله المتواصل على تتبع كل صغيرة و كبيرة في محيطه المحلي، و إعمال مفهوم المقارنة في استقراء واقع التحولات على المستوى المحلي و مدى ارتباطها بحركية التحول على المستوى الوطني، و بالتالي الوقوف عند بعض الحقائق المضللة لدى البعض في معارضتهم لتجربة الانتقال الديموقراطي ، و كشف حقيقة تجسيدهم لرؤيتهم الخاصة للتنمية المستدامة، من خلال التمعن في حصيلة غزواتهم بمجموعة من المدن. إضافة إلى التمكن من فصل الأحزاب الحقيقية عن وكالات توزيع التزكيات على كل من هب و دب، في مواسم الانتخابات و بورصة الهذيان السياسوي، لأن العبرة في تمثيل الساكنة لا تكون بالخواتم، بقدر ماهي برامج و مبادئ، و رؤية تنموية لا تؤمن بالمجاملات المجانية و الحلول الترقيعية الظرفية. لتكون بذلك مسؤولية المواطن أساسية في تخليص مجاله من المتطفلين على سؤال المصلحة العامة، لأن رهان هؤلاء يظل قائما بشكل كبير على المعطى المتمثل في غياب المواطن عن ساحة القرار. و إذا كان التحول نحو الديموقراطية يشكل أحد أهم الخطوات في المسار الجديد لبلادنا، فإن ذلك يعني فيما يعنيه مزيدا من النزاهة و المصداقية في محطات القرار الشعبي، و بالتالي تصبح الكرة في ملعب الإرادة الشعبية. هذه الأخيرة التي لا يمكن بتاتا أن تعبر عن نفسها من باب الفعل السلبي، لأن المشاركة هي السبيل الوحيد إلى التحكم في مسارات المستقبل، أما غيرها فهو قبول ضمني بكافة النتائج المترتبة عن ذلك، الأمر الذي لن يكون بتاتا في مصلحة الوطن، لان الأوطان تصنعها شعوبها ، مثلما أن المدن و القرى تبنى بإرادة أبنائها. فعلاقة التكامل بين التنمية المحلية و التنمية الوطنية بمستوياتها المختلفة لا يمكن أن تتحقق إلا بالفهم السليم لأهمية العلاقة نفسها، و استحضار المواطن لذلك بمزيد من الرغبة في لعب أدواره كما يجب. هل نتفاءل بحدوث ذلك؟ طبعا متفائلين...



13/12/2011
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 2 autres membres