الوظيفة العمومية الجماعية
رغم أن المشرع المغربي قد أبقى على نفس محتوى مقتضيات الوظيفة العمومية، فإننا نجده قد أفرغ هذا المحتوى في قالب القانون الأساسي الخاص بالوظيفة الجماعية المؤرخ في 27 شتنبر 1977 سعيا منه كمحاولة متواضعة إلى فصل الوظيفة الجماعية عن الوظيفة العمومية، وإعطائها نوعا من الاستقلالية المبدئية و التي ليست إلا استقلالية شكلية حيت يبقى المضمون واحدا مع بعض الاختلافات البسيطة.
إلا أن المشروع مع ذلك و إن أقدم على هذه الخطوة قد أغفل جانبا مهما وهوانه لم يراعي خصوصيات الموظف الجماعي لكونه يختلف جذريا عن الموظف العمومي، وأنتج نصوصا تشريعية يشوبها الغموض ، و الضبابية إذ أن افتحا صنا لهذه النصوص يجعلنا أمام هوة شاسعة بين طبيعة النظام القانوني و بين واقع الموظف الجماعي، و هذا أساسي لان التدقيق القانوني المرتبط بالنص في أبعاده التقنية و التشريعية يبقى غير كاف إذا لم يعزز بمقاربة شمولية ثقافية ، تحدد بدقة الإطار التاريخي للنص التشريعي ، وأبعاده السوسيولوجية والتفافية و السياسية.
إذ تتجلى إكراهات الوظيفة الجماعية بالنسبة للموظف من خلال الفلسفة العامة التي كرسها نص 24 فبراير1958 المستوحى والمأخوذ شكلا و مضمونا من قانون الوظيفة العمومية الفرنسي، وما نتج عن كيفية تطبيقه على أرض الواقع من سلوكيات و رموز وتصورات لدى العاملين بهذا القطاع، و التي عملت على تكريس قيم وثقافات خاصة بالعمل الإداري تتميز بالغموض وخلط سائر بين المهام و انتشار الغموض في غياب انعدام تحديد المسؤوليات وتحديد الأهداف وغياب التقييم والمراقبة والمساءلة ، لذلك يبدو هذا القانون وليد رحم فرنسية تخالف الواقع و العقلية
المغربية وهو ما تولد عنه حاليا هياكل تنظيمية متجاوزة و غير عملية وغير ملائمة لتطورا لنظام اللامركزي، فالهياكل الإدارية الجماعية إذن تظل إما موروثة عن فترة تاريخية متجاوزة أو معتمدة بموجب قرارات آنية وارتجالية تهدف إلى إعادة تنظيم المصالح الجماعية دون التوفر على رؤية شمولية ومندمجة للمهام والمسؤوليات المنوطة بالجماعات المحلية بموجب الميثاق الجماعي لسنة 1976.
إذ انه على الرغم مما جاء به قانون رقم 78.00 والذي دخل حيز التنفيذ بعد الانتخابات الجماعية ل 12 شتنبر 2003 حيث نهج أسلوبا جديدا مغايرا لما جاء به الميثاق القانوني الجماعي السالف الذكر ، فان القراءة المتمعنة لمقتضياته تمكن من الوقوف على عدة نقائص و سلبيات تجعل منه قانونا كسائر القوانين لا يستجيب لكل التطلعات و التوصيات المنبثقة عن المناظرات الوطنية ،وعن الإنتظارات التي ترقبها منها الباحثون و الممارسون وغيرهم . و معنى هذا أن القانون الجديد لم يتضمن إيجابيات و محاسن في كثير من الحالات، إذ تميز بسيادة النصوص القانونية القديمة و الحديثة ، الأمر الذي أدى إلى التضارب في بعض الأحيان مما يجعل أمر تطبيقها يعرف عدة صعوبات تتمثل في :
- غياب مقتضيات تنظيمية و تطبيقية لنصوص التنظيم الجماعي:
فبالرغم من الايجابيات التي أتى بها، فان هذه النصوص لا زالت دون نصوص تنظيمية توضيحية حول محتوى و فحوى بعض الفصول و المواد المكونة لهده القوانين، و قد سبق التغلب على هذه الوضعية عبر لجوء سلطات الوصاية إلى استعمال المناشير و الدوريات التي اكتسبت في بعض الأحيان الصبغة القانونية، بالرغم من أنها لا ترتكز على أي سند قانوني، بل أن هذه الدوريات اعتبرت في بعض المجالات بمثابة تعليمات وأوامر على الجماعات المحلية تنفيذ ما هو مسطر ضمن محتوياتها.
- قدم و غموض القوانين:
فعلى مستوى المرافق الجماعية فان عملية تدبير و تسيير المرفق الجماعي لا تزال تخضع لمقتضيات المرسوم 29 شتنبر 1964 . وهي مقتضيات لم تعد تتلاءم و مقتضيات نصوص التنظيم الجماعي كما أن الجماعات المحلية تعمل دون نصوص مضبوطة بل تكتفي بالتقليد وتطبيق الممارسة الإدارية السابقة ،فهذه الممارسة هي ضعيفة من حيت القوة الا لزامية ،و تسمح لأي شخص أن يطعن بسهولة في عمل الجماعة لعدم استنادها على نص قانوني مكتوب ذي قوة إلزامية أكثر.
- غياب نصوص قانونية تحدد ممارسة و مجالات و موضوع كل اختصاص من الاختصاصات الجماعية حيت أن الاختصاصات المقيدة بنص قانوني أو تنظيمي قليلة، وتتجلى خصوصا في مصلحة الصحة، مصلحة التعمير و مصلحة الممتلكات، فبإستتناء هذه المصالح التي تتوفر على عدد مهم من النصوص القانونية و التنظيمية و التي تشكل اطارا لها.فإن باقي المصالح الأخرى ليست لها أي نص قانوني ينظمها.
- تضارب الاختصاصات: إذ أظهرت الممارسة الجماعية أن التدخل الجماعي يصطدم ببعض العوائق التي هي إما خارجية عن إرادة الجماعة، أو تدخل في اختصاصاتها ويمكن تلخيصها فيما يلي:
v التعارض الشامل بين كل من مقتضيات التنظيم الجماعي و مقتضيات قانون 1992 المتعلق بالتعمير مثلا.
v تعدد الأجهزة المتدخلة في ميدان التعمير و إعداد التراب و تزايدها خلال فترة إلحاق القطاع بوزارة الداخلية، الأمر الذي أدى إلى تضارب الاختصاصات والفوضى في تطبيق القانون المتعلق بالتعمير.
v وفيما يتعلق بميادين الشرطة الإدارية فانه بالرغم من توسيع اختصاصات رئيس المجلس الجماعي و تحديدها بأقصى ما يمكن من الدقة في الميثاق الجماعي الجديد فإن هناك نصوص قديمة و متنوعة تنظم الشرطة الإدارية الجماعية و هي تتعارض مع الاختصاصات القانونية الجديدة لرؤساء الجماعات في هدا المجال.
يظهر من خلال ما سبق أن القوانين المنظمة للعمل الجماعي أصبحت متجاوزة إلى حد ما وفي نفس السياق يعبر المغفور له الملك الحسن الثاني في خطاب للمتناظرين بتطوان <... في نظري أحسن خدمة يمكنكم أن تقدموها في هده المناظرة الاستثنائية هي إن أمكنكم أن تشطبوا على نصف النصوص الموجودة وبذلك تكونوا قد عملتهم خيرا كثيرا>.
وبناءا عليه المشرع البرلماني مطالب بالتدخل للتشريع في مجال الجماعات المحلية ،و من بين القضايا الهامة التي تدخل في اختصاصاتها، سن قوانين تحدد بجلاء اختصاصات كل صنف من الأصناف( الجماعات المحلية و الدولية ).حيث أنه على الرغم من التوسيع الذي عرفته اختصاصات الجماعات المحلية، فإنه إذا استمر قصور المشرع البرلماني في أداء مهمته التشريعية بهذا الخصوص، فإن هذه الجماعات تستمر بالعمل بالمناشير والدوريات والمذكرات و البرقيات لإجلاء الغموض كلما طرح مشكل التنازع حولها . وهي وثائق ونصوص غير ملزمة للجماعات، كما أنها لا يمكن أن تكون سندا للممارسة اختصاص معين.
و عموما فإن هذا القانون لم يفلح في تحديد الاختصاصات المجالس الجماعية رغم المستجدات التي أتى بها. ويرجع ذلك إلى غياب نظرة مستقبلية واضحة لدور الدولة ودور كل جماعية محلية على حدة و من ثم غياب توجه خاص لكل منها، و بالتالي استمرار المشرع المغربي في تطبيق الأسلوب الفرنسي في تحديد الاختصاصات.
ويستشف من ذلك أن الإدارة الجماعية- ومن ورائها الدولة- لازالت دون المسؤوليات الملقاة على عاتقها. و أنها تحاول أن ترقى في إطار التسيير الذي لم تتجاوزه بعد، لتتكيف مع تلك المقتضيات والمسؤوليات و تهدف للتخطيط المستقبلي لتدخلات جهازها المسير،آملين أن وضعيتها الحالية التي يعكسها نشاطها هي لحداثة هيكلتها .
و يبقى العنصر البشري هو المحرك الأساسي لهذه الإدارة و القلب النابض لسيرها وهو بذلك يعاني من المشاكل لا على مستوى الكم ولا الكيف، لذلك ينبغي القيام بعملية تدبير وتأطير الإدارة المحلية، عبر حسن اختيار الموظفين ونوعيتهم (الأطر العليا و المتوسطة) واستغلال كفاءاتهم، وليس فقط الاقتصار على انتقاء الموظفين، بل الهدف الأساسي هو الاستمرارية في تكوينهم والعناية بهم حتى نضمن الجودة و المر دودية للإدارة المحلية.
A découvrir aussi
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 2 autres membres