Formations Divers

Formations Divers

بين انتخابات 2007 و 2011: ما الذي تغير؟

العوامل الذاتية والموضوعية لفوز العدالة والتنمية في 2011 وعناصر فشله في 2007

ثمة تفسير تبسيطي يرجع حصول حزب العدالة والتنمية على الرتبة الأولى في الإنتخابات الأخيرة، إلى دور العامل الخارجي لوحده؛ أي تأثير الربيع العربي؛ وإلى الحراك الشبابي في المغرب المستجد في حركة 20 فبراير. وهذا في الحقيقية صحيح؛ ولكنه ليس كل الحقيقة؛ فالزخم المحدث بفضل الربيع العربي دفع بمسلسل الإصلاحات في الدول العربية وخلخل البنيات السياسية القائمة، إلا أن العناصر الذاتية لهذا الفوز كان موجودا قبل 2011، إلا أنه كان بحاجة إلى تضافر العوامل الداخلية والخارجية لكي يقع هذا الفوز.

أحد المفاتيح المهمة لفهم تطور أداء حزب المصباح خلال الإستحقاقات الإنتخابية لـ 2011 مقارنة مع 2007 يرجع إلى ادراك أعمق لآليات التحكم المستخدمة وتطوير رد فعال من أجل مواجهته، فمن السذاجة التعامل مع الانتخابات التشريعية لسنة 2011، وكأنها قطيعة مع المحطات السابقة، باعتبار أنها تمت من طرف نفس المؤسسة، المتهمة بالتحكم في النتائج وتشكيل الخرائط السياسية، وما زال الأمر قائما بحدود معينة.

لقد أعطت عدد من استطلاعات الرأي الصدارة لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 2007، فقد أنجز المعهد الجمهوري دراسته الشهيرة قبيل الانتخابات التشريعية السابقة؛ وتم تقديم تفاصيلها في إحدى وثائق ويكيلكس؛ أعطت لهذا الحزب الرتبة الأولى في المغرب، وقد أثارت هذه الدراسة جدلا كبيرا في وسط النخب السياسية آنذاك، ربما كانت الدافع الأساسي لنزول صديق الملك فؤاد عالي الهمة للمعترك السياسي المباشر لمواجهة تنامي نفوذ المعارضة التي يجسدها أصحاب المصباح، أمام فشل تجربة التناوب التوافقي والتراجعات الديمقراطية، ثم تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة بعد ذلك، وربما يكون أيضا أحد أسباب منع القيام باستطلاعات الرأي أسبوعين قبل انتخابات 2011، إلا أن هذه العناصر كلها لا تمنع الجزم بالقول بأن الاتجاه العام السائد سنة 2007 هو احتلال الحزب الرتبة الأولى، بفعل وجوده الميداني الفعلي وقوته التنظيمية الذاتية وحضوره الإعلامي، علاوة على رغبة المجتمع في التغيير نحو الأحسن، وهو ما تجسد فعليا في حصوله على الرتبة الأولى على الأقل من حيث عدد الأصوات، بالرغم من أن ذلك لم يترجم على نفس عدد المقاعد.

لم يكن ممكنا الطعن في نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2007، لأنه لا توجد الدلائل المادية الكافية لتأكيد ذلك أو نفيه؛ أو كما يقال، القانون لا يحمي المغفلين؛ فقد كان حزب العدالة والتنمية يتوفر على 10 آلاف مراقب فقط من أصل 40 ألف مكتب تصويت، وهو ما يعني أنه لم يغطي سوى ربع مكاتب التصويت المتوفرة، وقد كانت أغلب هذه المكاتب في المناطق الحضرية، في حين أن المناطق القروية والمناطق البعيدة لم تشملها التغطية، كما أن بعض هؤلاء المراقبين لم يتلقوا تدريبا كافيا لفهم وظيفتهم والمطلوب منهم، وهو ما انعكس على النتائج النهائية، ففي بعض المقابلات التي قمت بإجرائها مؤخرا، صرح بعض القياديين في الحزب بأن نتائج في بعض المكاتب المغطاة بالمراقبين، كانت النتائج إيجابية تضع لائحة المصباح في رتب متقدمة، في حين أن بضع المكاتب الأخرى التي لم تشملها التغطية كانت النتائج فيها ضعيفة، كما أن بعض النتائج التي كانت تصل من أماكن بعيدة في ساعات متأخرة من الليل مثيرة للريبة.

نفس التوجه ينطبق على الانتخابات الأخيرة، فقد كانت وزارة الداخلية هي المشرفة الكاملة على الانتخابات، وقد تجلت استمرارية النهج التحكمي عبر عدة مستويات، أولا الرغبة في التحكم عن طريق النصوص التشريعية، والتي تجلت أساسا في الاستمرار في نفس نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي الذي لم يتغير إلا بشكل طفيف، وعدم وضع عتبة وطنية للولوج إلى البرلمان، بالإضافة إلى تقليص معدل العتبة بالنسبة للائحة الوطنية من 6 إلى 3 في المائة، يواكبها ثانيا، محاولة إعادة ترتيب المشهد الحزبي عبر خلق تحالف الثمانية، وما تبعه من تدبير للتزكيات لفائدة أحد أحزاب التحالف، وثالثا عبر تشجيع ترشيح رجال الأعمال القريبين من السلطة، وهي كلها عراقيل مؤسساتية وسياسية تم وضعها لتفتيت المشهد السياسي، وإضعاف الأحزاب المشاركة ذات المصداقية واضطرارها التحالف مع أحزاب أخرى.

في ظل نفس الشروط والإكراهات السابقة، حقق الحزب نتائج مفاجئة، بحيث ضاعف نتائجه مقارنة مع انتخابات 2007، فقط انتقل من نصف مليون صوت في 2007 إلى أكثر من مليون صوت حاليا، وضاعف مقاعده في البرلمان مرتين ونصف، من 46 سنة إلى 107.

إذن يطرح السؤال لماذا؟

السبب الأول راجع إلى أسباب موضوعية وذاتية، أولا تمت الاستفادة من الريح الديمقراطية التي هبت على المنطقة في إطار الربيع الديمقراطي العربي، فلا يمكن طبعا إنكار الدور الذي لعبته الثورات العربية في الضغط النفسي على الأنظمة الاستبدادية، خصوصا بعد حدثي سقوط نظام القذافي وموتته الغير مأسوف عليه، ونجاح الثورة التونسية في تحقيق مطالبها وفوز حزب النهضة الإسلامي في الانتخابات، وهو ما أعطى رسالة قوية بأن الثورات العربية هي بالفعل ثورات حقيقية، وبأنه لا يوجد استثناء في المنطقة.

السبب الثاني يرجع إلى فشل السياسات التحكمية المتبعة، والتي أدت إلى وقوع نتائج عكسية، تشبه إلى حد كبير ما وقع في تونس، بعد فشل جزء من التيار العلماني في مواجهة حركة النهضة، وكانت النتيجة أن الحملة ضده ذلك اكسب الحركة تعاطفا أوسع من طرف المواطنين.

السبب الثالث مرتبط بقوة الآلة التنظيمية التي يمتلكها الحزب كما سبقت الإشارة، واشتغاله بمنطق نضالي عالي المستوى، بحيث أن التكلفة المالية لحملته الإنتخابية كانت هي الأقل مقارنة مع باقي الأحزاب الكبيرة الأخرى.

السبب الرابع؛ وهو مهم وأساسي ولم يتم الإنتباه إليه بشكل كافي؛ يرجع إلى الاستفادة من الأخطاء السابقة، وانتهاج إستراتيجية جديدة في التعامل مع الانتخابات، فقد تم انتهاج إستراتيجية سميت بـ"حماية النتائج"، تعززت أولا بفضل تقوية لجان اليقظة التي كانت تشتغل على المستوى الوطني والمحلي في رصد الخروقات ومراسلة وزارة الداخلية بشكل يومي تقريبا وفي لحظتها، كما تمت مضاعفة المراقبين في الصناديق ثلاثة مرات مقارنة مع سنة 2007، بحيث وصل العدد على 30 ألف من أصل 40 ألف، وهي نسبة تقدر بثلاثة أرباع عدد المكاتب، وتم الحرص على الحصول على المحاضر الخاصة بجميع المكاتب المغطاة، ولهذا ليس مستغربا أن تكون الطعون المقدمة آتية من المكاتب التي لم تشملها التغطية.

خلاصة القول، فإن نجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية يرجع إلى الأمور التالية: الربيع العربي+ حملة نظيفة+تواصل مباشر مع المواطنين+مصداقية في الخطاب+ "حضي (راقب) صناديقك" لكي لا تسرق نتائجك، وهذه الأخيرة هي مفتاح النجاح في 2011 وليس في 2007.



12/12/2011
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 2 autres membres