Formations Divers

Formations Divers

تخليق الحياة العامة شعار أم إستراتجية؟

 

ولاشك أن إرساء مقاربة إصلاحية شاملة داخل الإدارة المغربية، لا يمكن أن تكون فاعلة ونافدة خارج ملامسة موضوعية وواقعية لحجم مظاهر الاختلالات والعوامل المتحكمة فيها وأسباب انبعاثها فضلا عن تداعياتها الوخيمة على جميع المستويات.

وفي هذا الصدد، ستقتصر دراستنا اليوم على هيئة أعضاء الدواوين الوزارية التي تتربع على جانب من هرم هيكل السلطة الإدارية، من خلال مقاربة تحليلية لاختصاصاتها من الواقع وانطلاقا من مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.74.331 الصادر في 23 أبريل 1975 حسبما وقع تغييره وتتميمه ولاسيما بالظهير الشريف رقم 1.95.162 الصادر في 10 أكتوبر 1995، وذلك من منظور تخليق الحياة العامة.

يقصد بأعضاء الدواوين الوزارية الفريق المحيط بكل مسؤول حكومي يشغل مهام وزير أو ما يماثله، وما يميز عمل هذا الفريق هو الولاء التام والمطلق للمسؤول التابعين له من خلال العمل بجانبه ومساعدته على إنجاز المهام الموكولة له إضافة إلى تميزهم عن باقي الموظفين الآخرين بتكتمهم الشديد على أنشطتهم، كما أن وجودهم بالإدارة التي يعملون بها مرتبط باستقرار الوزير التابعين له، وأن أية إقالة أو استقالة لهذا الأخير تؤدي بصفة تلقائية إلى إنهاء مهامهم في اليوم والساعة بدون سابق إشعار أو ضمانات تذكر، اللهم إن كانت لهم صفة موظف، فإنهم يرجعون إلى إدارتهم الأصلية ويدمجون بأسلاكهم الإدارية السابقة.

II - توظيف أعضاء الدواوين الوزارية وفق أية شروط ?وأية معايير ?

 إلا أنه بالرغم من ذلك فإن المشرع قد حدد الشريحة التي يمكن تعيينها في مثل هذه المناصب حيث ركز على ضرورة أن يتوفروا على تكوين جامعي عال مكلل باجازات وشهادات ودراية بالشؤون العامة للدولة تماثل على الأقل تلك المتوفرة لدى الموظفين الإداريين، علما أنه اشترط أن تتوفر فيهم صفتان أساسيتان لتصان للدواوين حرمتها بالنسبة للموظفين والإدارة نفسها وحددهما في: شرطي الكفاية والمروءة.

 أما شرط المروءة فقد تم اختزاله في الوثائق المدلى بها والمتمثلة سواء في سجل السوابق العدلية المسلمة من طرف الإدارة العامة للأمن الوطني وكذا بطاقة مراقبة التسجيل المركزي للعقوبات التأديبية المسلمة من طرف وزارة تحديث القطاعات العامة – مديرية الوظيفة العمومية-

II – اختصاصات أعضاء الدواوين الوزارية : هيمنة السياسي على الإداري

وبالرجوع إلى مقتضيات ظهير 1974 فإن الاختصاصات المخولة لهذه الفئة مقننة في دائرة ماهو سياسي فقط، من خلال التنصيص على تكليفهم بإنجاز دراسات وتسوية المسائل التي تكتسي طابعا سياسيا” شرط أن لا تكون لهذه “المسائل أية علاقة بالاختصاصات المسندة إلى مختلف مصالح الوزارة العاملين بها”. كما تم التشديد على أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال تأهيلهم للمساهمة في التسيير الإداري والتقني أو لإصدار تعليمات أو أوامر إلى الموظفين المسندة إليهم بعض اختصاصات الوزارة -التي يعملون بها- بوجه قانوني سوءا كان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة شخص آخر.

وتبعا لذلك، تتحدد هذه القواعد في إطار المجال القانوني، لكن ماذا عن الواقع التطبيقي؟ وأين هو موقع التخليق العام من هذا الواقع؟؟

تختلف قوة الدواوين الوزارية حسب طبيعة كل وزارة وشخصية الوزير المعني والمهام الموكولة للإدارة المعنية والظرفية السياسية للدولة ككل، ذلك أنه بحكم قرب هذه الهيئة من مصدر “قوة القرار”، نجدهم في بعض الإدارات يتدخلون بشكل مفرط وتعسفي في الكثير من القرارات التي تصدرها الإدارات العاملين بها، بالرغم من منع مثل هذا التدخل بشكل صريح بموجب نص سامي، قد يقول قائل، بأن المرحلة تتطلب إعداد نص آخر يتضمن عقوبات وجزاءات لمثل هذه المخالفات، كما تم به العمل بالنسبة للحد من حوادث السير ؟ ممكن…لكن أين هو التخليق في حياتنا العامة ! ؟خصوصا وان نخب الوظيفة العمومية السامية هي المعنية الأولى بهذه المبادئ.

بالإضافة إلى ذلك نجد بعض الدواوين تتوفر على موظفين سواء أطر أو أعوان يعملون تحت ظل هذه الهيئة لكنهم لا ينتمون إليها، فإذا كان المشرع قد حدد أعضاء الديوان مثلا لكل وزير في 12 مستخدما منهم 7 كموظفين سامين 5 مستخدمين كأعوان، فإننا في كثير من الدواوين نجدها قد تهيكلت بعدد يضاعف هذا العدد مرتين أو ثلاثة، وهذا في حد ذاته يعتبر اختلالا ! حيث يصبح موظفو الإدارة يعملون تحت إمرة أعضاء الدواوين، مما يؤثر بصفة سلبية من خلال تموقع أعضاء الدواوين في مناصبهم السياسية في صنع مثل هذه الاختلالات بهاجس خلق مؤسسات والحفاظ على تنظيماتها وعلى مكتسباتها وقواعدها. وهو ما يؤدي إلى ولادة واقع فعلي يكرس القابلية السريعة لهذا الجهاز من التحول نحو مزاولة مهام إدارية والهيمنة على مهام موكولة أصلا للإداريين وبروز جسم جديد داخل الإدارة غير مقيد هيكليا متشبع بأفكار تعتمد على التوسع والهيمنة، و إقصاء مؤسسات مؤمنة قانونيا، إذ في بعض الأحيان نجد أن أحد أعضاء الدواوين الوزارية يصبح هو الكاتب العام أو مدير أو مفتش عام… ( ، من خلال تقمصهم لدورهم الجديد والتحول من سياسي لإداري محترف بدون سلوك مسطرة التعيين، والعمل على استفرادهم بسلطة تقريرية من خلال استغلالهم للتفويض الذي يمنح لهم من طرف بعض الوزراء وجعلهم كصلة وصل بينهم وبين باقي الموظفين الآخرين، دون التوفر على الوسائل المانعة من تحولهم إلى الأعمال الإدارية الروتينية. كما أن هناك حقيقة تابثة وهو تسجيل لاختلالات يعرفها الكثير حول تجاوزات لعمل بعض أعضاء الدواوين الوزارية بسبب غياب مجال عملهم عن أية مراقبة من طرف أي جهاز محدد، بما في ذلك الصحافة، فكم مرة قرأنا عن تصرفات لأعضاء هذه الهيئة بجرائدنا ! قليل وقليل جدا، لكن لدى الرأي العام الإداري فالملاحظات كثيرة من خلال الأفعال الصادرة من البعض، إذ أن كثير من أعضاء الدواوين الوزارية يدخلون في صراعات مع الإداريين للاستحواذ ولإبراز ” العضلات” بحكم توفرهم على سلطات غير مقننة ولاسيما عندما تكون لهم نيات مبيتة لأجل استحواذ والفوز بحصتهم بمناصب المسؤولية، إذ أصبحنا كثيرا ما نسمع اقتراح تعيين رؤساء ومستشارين بدواوين وزارية في مناصب المسؤولية، الشيء الذي يؤثر سلبيا على نفسية أطر الإدارة المعنية والتذمر من مثل هذه التصرفات بفعل تفضيل سياسي على إداري مما يترتب عنه سيادة سلوك أخلاقي منحرف وعوائق في وجه الإصلاح الإداري المنشود، مما يدفع ببعضهم إلى التفكير في الانضمام إلى الحزب المنحدر منه الوزير المعني – ولو مؤقتا- لعل وعسى أن يحظوا برضى الاقتراح للتعيين في منصب المسؤولية أو الاحتفاظ بالمنصب المعين به بالنسبة للموظفين المسؤولين وهو ما يؤدي إلى تكريس سياسة تفضيل الانتماء الحزبي على الكفاءة والجدارة – تطبيقا لحكمة:مرغم أخوك لا بطل-.

إن أهم ما يميز المغرب حاليا هو الشعور الجماعي بأهمية وأولوية معالجة إشكالية تخليق الحياة العامة، ذلك أن مشاكلنا المعاصرة ليست بالدرجة الأولى اقتصادية كما يتوهم البعض بل إن مشاكلنا الإدارية على الأرجح يعود إلى مشكلات سلوكية أخلاقية تتمثل بعض مظاهرها في غياب التواصل داخل الإدارة وغياب حب الانتماء للوطن والوظيفة وعدم التحلي بالمسؤولية.

 غير أنه تبث بالملموس أن السلطة المؤهلة أكثر من غيرها لتجسيد هذه السلوكات على أرض الواقع تظل هي المؤسسات المتكونة من نخب الوظيفة العمومية السامية ومن بينها مؤسسة الدواوين الوزارية موضوع بحثنا هذا.

ولا مجال هنا للتذكير بالممارسات والأعراف الديمقراطية للحديث عن المهام الموكولة للسياسيين والإداريين للمساهمة في إنجاح الإصلاح لكن المهم في ذلك هو اعتماد سيادة سلوكيات مقبولة متخلقة ومتفق عليها يلتزم بها الجميع قصد تفادي كل خلل من شأنه المس بالمقومات الرئيسية للمبادئ والقواعد الإدارية السائدة.

وهنا يطرح التساؤل للاستدراك: أليس هذا السياسي/ الإداري هو الذي كان يسمعنا بالأمس من فضائل الديمقراطية والعدالة والنزاهة. فما الذي حصل ! .

كما يتعين الالتزام في إطار تبني لمبدأ تخليق الحياة العامة، الإلمام بالاختصاصات المخولة لأعضاء الدواوين الوزارية المحددة قانونيا، بمعنى أن يعرفوا أن مهامهم ليست إدارية وإنما سياسية بالدرجة الأولى و بعدم التدخل في سلطة اتخاذ القرار فكثير ما نلاحظ أن أعضاء الدواوين يصبحون هم الكاتب العام وبتحول الآخرون بقدرة قادر إلى ” شبح ” في مناصبهم. وحدوث مثل هذا الأمر يتطلب تدخل الوزراء وقيامهم بنوع من المراقبة الذاتية لحماية هذه الفئة من مثل هذه التجاوزات التي قد تحصل، وتحديد دور ” مؤسسة الدواوين الوزارية” في المجال المحدد لها والتعريف بأن الغاية من وجود هذه المؤسسة هي مؤازرة الوزير شخصيا في توجيه الإصلاح وليس التعليمات، ورسم الحدود التي من شأنها أن تحفظ لهذه المؤسسة مكانتها الإصلاحية السامية والتخليقية بعيدا عن الحسابات السياسية وتقنوقراطية، ذلك أن المسؤولية السياسية لا يختزل دورها في مجرد المشاركة في إنتاج الخطاب الإصلاحي الحداثي، بل تقاس جودة عملها من خلال قدرتها الفعلية على تفعيل شعاراتها إلى واقع ملموس.

غير أنه لترسيخ مبادئ الأخلاقيات في حياتنا العامة فان الوقت الراهن يتطلب اعتماد آليات تحدد القيم الأخلاقية التي ينبغي أن تسود والقواعد السلوكية التي توضح مسؤوليات وواجبات السياسي والإداري والإدارة نفسها إزاء محيطها للحيلولة دون تفشي سلوكات مشينة في المرفق العام.

يدرك الكل إدراك اليقين أن جميع مجهودات التنمية لا يمكن أن تسلك طريق النجاح ولا أن تؤتي ثمارها إذا ما اقتصرت جهودنا على مجرد إصدار وتعديل النصوص وإصلاح الهياكل التنظيمية وإصدار لكراسات تبسيط المساطر واجترار الدعوات الخطابية بضرورة الالتزام بمبادئ الأخلاق، بل أننا بحاجـة إلى القدوة الحسنة من قيادتنا الإدارية المنوطة بها مسؤولية وضع وتصميم مخططات التنمية الإدارية والسهر على تنفيذها وذلك أن تصرف نخب الوظيفة العمومية السامية ولا سيما السياسية منها، يعطي من خلال سلوكها حسن العبرة والمثل الذي ينبغي أن يقتدى به في مجالات مختلفة. كما أن هذا المبدأ يشكل أحد الوسائل التي يمكن اعتمادها لتوقيف نزيف تدني أخلاقيات الإدارة الـتي من بين تجلياتها عدم تخليق حياتنا العامة في العديد من ممارساتنا اليومية.

ومن خلال هذه الدراسة المبسطة وفي إطار مطالبة السياسيين بضرورة المساهمة في تدبـير الشأن العام من خلال تمكين الأحزاب من بسط تصوراتها الإصلاحـية على أرض الواقع ودعمها بنخب سياسية متخلقة، فهل ستتطلب المرحلة الراهنة سن قواعد جديدة لحماية الإدارة والإداريين من السياسات الحزبية خصوصا إذا علمنا أن السياسة ليست ثابتة ولا أخلاق لها ولا تتحكم فيها سوى المصلحة بالدرجة الأولى، فهي متقلبة حسب الظروف ومتحيزة حسب المصالح مع العلم أن الإدارة وحسب الدستور يجب أن تكون محايدة فهي ملك لكل مواطن بغض النظر عن جنسه وعرقه ودينه كما يتعين العمل على تحييد أعضاء الدواوين في إطارهم السياسي الصرف ذلك أنه ينبغي علينا جميعا المساهمة سواء سياسيين أو إداريين أو مواطنين في ترسيخ مبدأ تخليق الحياة العامة في سلوكنا والتزام بقواعد الأخلاق نظريا وتطبيقيا من منطلق أن ذلك مطلبا ذاتيا قبل أن يصبح أمرا واستجابة لتوصيات خارجية قد تفرض علينا من مؤسسات دولية.

 



20/12/2011
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 2 autres membres