Formations Divers

Formations Divers

تعديل الدستور في المغرب: إصلاح أم احتواء ال&#

 

 

 التغيير في المغرب، من السؤال إلى الحركة 

بعد هروب الرئيس التونسي المخلوع، وسقوط نظام حسني مبارك في مصر، وانطلاق حركة المطالبة بالتغيير في بلدان عربية أخرى؛ صدرت تصريحات لمسؤولين مغاربة، من بينهم وزير الخارجية، الفاسي الفهري، تؤكد كلها خصوصية المغرب التي تجعله في منأى عن أي حركة احتجاجية. ثم راجت -على هذا الأساس- عبارة “الاستثناء المغربي” التي ذهب أصحابها إلى ضرورة استفادة تونس ومصر من النموذج المغربي الناجح.

وتقوم نظرية “الاستثناء المغربي” على مقولتين أساسيتين، أولاهما مقولة خاطئة ومناقضة للواقع، تدّعي أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب أفضل بكثير مما هي عليه في تونس ومصر وغيرها من البلدان العربية، فلا معنى لأي حركة احتجاجية سوى أن يكون هدفها التقليد وحسب. أما المقولة الثانية، فتشير إلى أن في المغرب نظاماً ملكياً يقوم على إمارة المؤمنين، وهو ما يمنحه شرعية دينية وتاريخية ترفعه عن أي نقاش محتمل حول استمراريته.

أثار هذا الخطاب الرسمي حفيظة المطالبين بالتغيير في المغرب، خاصة أن الأرقام، بما فيها الحكومية، تُناقض ادعاء الرخاء الاقتصادي للمغرب، إضافة إلى ما تعرفه الأوضاع السياسية والاجتماعية منذ سنوات من انسداد وتأزم.

وفي هذا السياق، نستدعي آخر الأرقام الصادرة ضمن تقرير البنك الدولي يوم الأربعاء 6 تموز/ يوليو 2011، والتي كشفت أن المغرب ا ما زال لم يبرح خانة الشريحة الدنيا بين البلدان متوسطة الدخل (يتراوح متوسط الدخل السنوي للفرد فيها بين 1006 دولارات إلى 3975 دولارا).


كشفت أرقام البنك الدولي الأخيرة أن المغرب
لا زال لم يبرح خانة الشريحة الدنيا بين البلدان متوسطة” الدخل، وأن نسبة 20 في المئة الأكثر فقرا في المغرب يستهلكون 8.5 في المئة من الدخل القومي، فيما تستحوذ نسبة 20 في المئة الأكثر غنى على 47 في المئة من الدخل القومي، بينما تصل نسبة الأمية في هذا البلد إلى 56 في المئة.

وبمقارنة المغرب مع بلدان العالم، يلاحظ أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب لا تزال منخفضة، بل إن عدداً من الدول التي كانت اقتصاداتها وأوضاعها الاجتماعية أسوء من أوضاع المغرب أو مماثلة لها، عرفت تحسنا في ترتيبها العالمي. فقد تمكنت دول كانت مصنفة ضمن الدول منخفضة الدخل من تحسين وضعها لتنتقل إلى الفئة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل مثل زامبيا وغانا وموريتانيا، ودول أخرى كانت أوضاعها مماثلة لأوضاع المغرب انتقلت إلى الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، مثل الصين والإكوادور والأردن وتايلاند وتونس 

وفيما يخص مؤشرات الفقر، يسجل تقرير البنك الدولي أن نسبة 20 في المئة الأكثر فقرا في المغرب يستهلكون 8.5 في المئة من الدخل القومي، فيما تستحوذ نسبة 20 في المئة الأكثر غنى على 47 في المئة من الدخل القومي. أما نسبة الأمية لدى المواطنين الذين تزيد أعمارهم على 15 سنة في هذا البلد فلا تزال مرتفعة، إذ تصل إلى 56 في المئة.

وفي تقرير صدر في الأسبوع الأول من شهر تموز/ يوليو 2011، سجل المركز المغربي لحقوق الإنسان، استمرار ملف الاعتقال السياسي في المغرب، واعتقال ومقاضاة مدير جريدة “المساء” الصحافي رشيد نيني، وتعرُض تظاهرات “حركة 20 فبراير” في الكثير من المدن المغربية إلى المنع والتعنيف من قبل قوات الأمن. ودعا المركز الحكومة إلى اتخاذ تدابير استعجالية من أجل إلغاء نظام الامتيازات، وتفكيك شبكة “اللوبيات” المستفيدة من اقتصاد الريع.

وأكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تقريرها السنوي الصادر في 12 تموز/ يوليو 2011، أن التقييم العام لوضعية حقوق الإنسان في المغرب يظهر بجلاء أن المغرب لا يزال بعيدا عن مقومات دولة الحق والقانون.

وفي يوم 20 من شباط/ فبراير 2011، اختارت قوى شبابية مستقلة، ومعها بعض الهيئات الشبابية السياسية والإسلامية المعارضة، إطلاق حركتها للمطالبة بتغيير عميق في المغرب. وأقرت تاريخ (20 فبراير) عنوانا لها، وعرّفت نفسها بأنها حركة شبابية مستقلة وشعبية وعفوية، ليست حزبا أو مؤسسة سياسية، وهي مفتوحة لكل القوى الوطنية التي توافقها على مطالبها الأساسية. ومن أبرز مطالب الحركة: حل الحكومة والبرلمان، وإنشاء جمعية تأسيسية لدستور ديمقراطي جديد، وإقرار ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ومحاسبة المفسدين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وإقرار اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية.

أما الهيئات السياسية والتنظيمات الإسلامية والحقوقية الفاعلة في الحركة، فهي على التوالي:

الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب الأمة (محظور)، وجماعة العدل والإحسان (تنظيم إسلامي محظور)، وحزب النهج الديمقراطي، وجمعيات حقوقية ومدنية. وقد التحقت بتظاهرات الحركة -في وقت لاحق- قطاعات من تنظيمات شبابية، ومجموعات من التيار السلفي.

ومنذ انطلاقها إلى اليوم، لا تزال “حركة 20 فبراير” نشطة في تنظيم احتجاجات شعبية في مناطق متفرقة من المغرب، واجهتها السلطات المغربية باعتقالات وأحكام بالسجن وعنف شديد من قبل قوى الأمن، خلّف جرحى في صفوف المتظاهرين (تتهم بعض المصادر قوى الأمن بقتل تسعة أشخاص)، إضافة إلى تسخير “البلطجية” للقيام بأعمال عنف واعتداء على ناشطي الحركة والمتظاهرين السلميين، وتهديد أسرهم بالانتقام.

ورفعت التظاهرات الشعبية شعارات تجسد مطالب “20 فبراير” السياسية والاجتماعية والثقافية، كما رفع المتظاهرون في عدة مدن الأعلام الفلسطينية، وهو ما فسره محللون بكونه رسالة تؤكد تضامن الشعب المغربي مع القضية الفلسطينية، ردا على ما اعتبروه مواقف سلبية من الملك محمد السادس، حاول من خلالها عزل المغرب عن عمقه العربي والإسلامي

 التعديلات الدستورية بين الترحيب والرفض

فاجأت تظاهرات “حركة 20 فبراير” السلطات المغربية من حيث أعداد المشاركين فيها واتساعها إلى العديد من مدن المغرب ومناطقه.

في هذا السياق العام، جاء خطاب الملك محمد السادس في التاسع من آذار/ مارس 2011، الذي دعا فيه إلى تعديلات دستورية، داخل إطار ثوابت الملكية وإمارة المؤمنين، ومحدداً سبع مرتكزات أساسية لهذه التعديلات، واعداً بدستور ديمقراطي يفصل بين السلطات، ويعطي صلاحيات أكبر لكل من رئيس الحكومة ورئيس البرلمان.

وعين الملك لجنة استشارية لإعداد مسودة الدستور الجديد، ووضع على رأسها القانوني عبد اللطيف المنوني. وإلى جانب هذه اللجنة، كلف الملك مستشاره محمد معتصم، بإجراء مشاورات مع قادة الأحزاب والنقابات حول مقترحات التعديل الدستوري.

رفضت قوى 20 فبراير هذه المبادرة معتبرة إياها التفافا على مطالبها التغيرية الحقيقية، ووصفتها بمحاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد.

ورأت معظم الأحزاب المغربية، المشاركة في الحكومة وغير المشاركة، (نحو30 حزبا من أصل 34حزبا) مبادرة الملك خطوة تجاوزت توقعاتها. ووصفها البعض بثورة ملكية سيدخل معها المغرب إلى”نادي الديمقراطيات العالمية”، بينما قال آخرون إنها بداية مناسبة نحو ديمقراطية تراعي الخصوصيات المغربية.

انسحب حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، ونقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، من اجتماع اللجنة السياسية لمشاورات تعديل الدستور، بعد أن امتنع مستشار الملك محمد معتصم، عن تسليمهم نسخة من مسودة الدستور الجديد.

وأصدرت نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فيما بعد بيانا أعلنت فيه احتجاجها على الطريقة التي تدار بها المشاورات، قائلة بأنها “أبعد ما تكون عن المنهجية التشاركية”. كما أعلن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي عن مقاطعته للاستفتاء.

وبعد صدور النسخة الرسمية للدستور المعروض للاستفتاء، دعا الملك محمد السادس في خطابه يوم 17 حزيران/ يونيو 2011 الشعب المغربي إلى التصويت بـ”نعم” للدستور الجديد.

وفي ما يتصل بالنقاش حول مضامين هذا الدستور، يمكن ملاحظة قراءتين أساسيتين للمتن الدستوري، بحسب اختلاف مواقع الفاعلين، وهما:

القراءة الأولى: ونجدها عند المؤيدين، ويمكن أن نصطلح على تسميتها بـ”القراءة المقارنة”. وتبحث في سياق إنتاج الدستور الجديد باستحضار الدستور الساري (دستور 1996)، إذ يرى هؤلاء أن دستور 2011 أكثر تقدماً وتطوراً، وهو ما نقرأه في تصريح للوزير الأول عباس الفاسي (الأمين العام لحزب الاستقلال)، الذي قال: “ويكون الملك والشعب قد حققا بعثاً جديداً لوطننا من خلال إقرار تعاقد متطور يوطد أواصر اللحمة الوطنية الدائمة القائمة بين العرش والشعب..”. وهو الموقف ذاته الذي عبَّر عنه عبد الواحد الراضي، رئيس البرلمان (الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي)، إذ يرى أن الدستور الجديد “يُدْخِل المغرب إلى عهد جديد يكون فيه دائماً في الطليعة”.

أما عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، فرأى أن “التصويت على هذا الدستور هو لصالح قانون أفضل بكثير من سابقه على مستوى الديمقراطية وتوضيح الصلاحيات”. ومن جانبه، قال محمد الشيخ بيد الله الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عن الدستور الجديد إنه “سيُدخل البلاد نادي الدول الديمقراطية، أي نادي الكبار”.

وتؤكد الأحزاب المؤيدة أن الطبقة السياسية والمجتمع المدني شاركوا لأول مرة في وضع دستور للمغاربة، وأن الدستور يقر نظاماً يقوم على أساس فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وعلى مبادئ الحكم الرشيد وربط المسؤولية بالمحاسبة (الفصل 1)، وهو ما لم ينص عليه دستور 1996.

ويبرز هؤلاء أن الملك في الدستور الجديد يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدَّر انتخابات أعضاء البرلمان وعلى أساس نتائجها، ويُعيِّن أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها (الفصل 47)، ولم يكن ملزماً بذلك في دستور 1996. ويؤكدون أنه نزع طابع القداسة عن شخص الملك، كما وسع مجال التشريع بالنسبة للمؤسسة البرلمانية في مجالات كانت من اختصاصات المؤسسة الملكية، مثل العفو العام ونظام أجهزة وقوات حفظ الأمن (الفصل 71).

القراءة الثانية:  ناقشت المتن الدستوري شكلا وجوهرا. ومعظم أصحابها من المعارضين الرافضين للدستور الجديد، وفي مقدمتهم قوى حركة 20 فبراير والأطراف السياسية والمدنية المساندة لها. ويرى هؤلاء أن هندسة الدستور تتأسس على مركزية موقع الملك في النظام السياسي، مما يجعله متحكماً في السلطة التنفيذية ومحدداً للتوجهات الإستراتيجية من خلال رئاسته لمجلس الوزراء. ويؤكدون أن الدستور يكرس وضع الملك المهيمن على عدد من المؤسسات برئاسته لمجلس الوزراء (الفصل 48) والمجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 56) والمجلس العلمي الأعلى (الفصل 41)، وكذلك المجلس الأعلى للأمن (الفصل 54). ويشيرون إلى تخويل الدستور الملك صلاحية تعيين 6 أعضاء من أصل 12 من أعضاء المحكمة الدستورية، كما يعين رئيسها (الفصل 130)، وهو الذي يعين كل الشخصيات غير المنتمية لسلك القضاء والمشاركة في تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 115)، ويعين أيضا نصف أعضاء المجلس الأعلى للإعلام السمعي- البصري ورئيس هذا المجلس.

ويتساءل أصحاب هذه القراءة: كيف سيتأتى للملك ممارسة التحكيم (الفصل 42 : الملك الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، يسهر على حسن سير المؤسسات الدستورية) وهو رئيس هذه المؤسسات والمحدد لاختياراتها؟

ويقلل هؤلاء من أهمية مؤسسة رئاسة الحكومة في الدستور الجديد، لأن الفصل 47 يجعل الوزراء تابعين للمؤسسة الملكية بعد تعيينهم، إذ يحق للملك وبمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، ودون أن يكون لرئيس الحكومة حق تقديم أي اقتراح في هذا الشأن (الفصل 47). وهو ما يستنج منه أن السلطة لمن يملك قرار الإقالة.

وقال محمد الساسي، نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، إن الدستور الجديد أضاف صلاحيات جديدة للملك، حيث أصبح الملك رئيسا للمجلس الأعلى للأمن ورئيسا دستوريا للمجلس العلمي الأعلى مثلا. وأُضيف أيضا إلى الملك صلاحية التقدم أمام البرلمان بطلب مراجعة بعض بنود الدستور واعتماد هذه المراجعة، دون حاجة إلى استفتاء.

وأكدت جماعة العدل والإحسان في بيان لها أن الدستور صيغ “بمنهجية غير تشاورية، مبنية على الاستفراد والاستحواذ وليس الحوار، فالملك هو الذي حدد في خطاب 9 آذار/ مارس، ثوابت الدستور التي يفترض أن تنبثق عن حوار وطني، وهو من وضع المرتكزات السبعة للمتن الدستوري، وهو من عين اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، وهو من حدد طريقة اشتغالها، وهو من كانت له الكلمة الأخيرة في وضع مشروع الدستور.”

وعلى مستوى الشكل، سجلت جماعة العدل والإحسان في بيانها، أن صياغة الكثير من الفصول كانت في شكل إعلانات ومبادئ عامة أكثر منها قواعد دستورية دقيقة، وأنه مع عدم التنصيص على الملك كسلطة، إلا أنه يتمتع بصلاحيات وسلطات كثيرة ومتنوعة.

وانتقد البيان حرص الوثيقة على “دسترة” الكثير من المجالس التي تتداخل اختصاصاتها أحيانا وتتقاطع مع اختصاصات الحكومة، وذلك بهدف تكريس ملكية تنفيذية، وممارسة مهام سياسية خارج رقابة الحكومة والبرلمان. وقدم البيان مجموعة من الملاحظات في مضمون مواد الدستور وفصوله، أوضح من خلالها أن المشروع الجديد لا يزال يكرس موقع الملك باعتباره حاكما فوق الدستور، يمارس الحكم ولا يخضع لأي مراقبة أو محاسبة.

وقد حظيت الفقرة المحددة للهوية المغربية هي الأخرى بكثير من النقاش عند الرافضين للدستور، حيث استغرب الكثيرون ما أسموه “بلقنة” الهوية المغربية، وذلك حين تم توزيعها بين المترادفات، إضافة إلى إقحام “الرافد العبري” في هذه الهوية، وهو ما فسره محللون برغبة النظام المغربي في كسب الرضا الغربي، وكان كذلك بالفعل

 الاستفتاء

أعلنت وزارة الداخلية المغربية ليلة 1/7/2011، أن نتيجة الاستفتاء عبرت عن موافقة نحو 98.50 في المئة على الدستور، وأن نسبة المشاركة بلغت 73.46 في المئة، ورحبت عموم الأحزاب المؤيدة للدستور بهذه النتيجة، مؤكدة على نزاهة عملية الاستفتاء وسلامتها. في حين سُجلت تصريحات متناقضة لقياديين من حزب العدالة والتنمية حول نزاهة الأرقام المعلنة.

وصفت حركة 20 فبراير تلك النتائج بالمزورة، وأكد ناشطو الحركة أن المغاربة قاطعوا بشكل واضح عملية الاستفتاء، إضافة إلى ما وصفوه بخروق كبيرة سُجلت قبل أيام من موعد الاقتراع، ويوم الاقتراع، من بينها تعميم خطب جمعة رسمية على المساجد تدعو المصلين إلى التصويت بنعم، وتصف التصويت بالواجب الديني، واستخدام “البلطجية” والأموال، وتهديد العمال في معاملهم بالطرد في حال عدم التصويت بـ”نعم”، وعدم إعطاء المعاملات الإدارية لمن قاطع عملية التصويت، واستخدام الزاوايا و”الدراويش” وعناصر تستخدم العنف، في التظاهرات المؤيدة للدستور الجديد. وفي المقابل حرم الرافضون للدستور الجديد والداعون إلى مقاطعة الاستفتاء من فرصة التعبير عن آرائهم.

وعبرت قوى سياسية عن رفضها لهذه النتائج، واصفة إياها بالمهزلة وبأنها مزورة. وأوضحت أن هذه الأرقام لا تخرج عن أرقام الاستفتاءات السابقة بدءًا باستفتاء 1962 الذي أقر الدستور بنسبة 97.05 في المئة، ومرورا باستفتاء دستور 1970 الذي تم إقراره بنسبة 98.70 في المئة، واستفتاء دستور 1972 الذي تم إقراره بنسبة 98.75 في المئة، واستفتاء دستور 1992 الذي تم إقراره بنسبة 99.98 في المئة، واستفتاء دستور 1996 الذي تم إقراره بنسبة 99.56 في المئة.

وقدمت هذه القوى بيانات ومعطيات توضح مكامن الخلل في العملية، ومن أهمها اختزال الكتلة الناخبة في عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، وليس على أساس الإحصاء العام للسكان، مما جعل نحو عشرة ملايين مغربي خارج الحسبة الرسمية للمشاركين والمقاطعين، والذين إن تم حسابهم فإن نسبة المشاركة لن تتعدى 37 في المئة، وهو ما يعني مقاطعة بنسبة 63 في المئة المتبقية من الكتلة الناخبة.

وعلى المستوى الخارجي، رحب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بنتيجة الاستفتاء، ووصفها وزير الخارجية الفرنسي، ألان جوبيه، بالشفافة والديمقراطية.

وفي المقابل أوردت وكالة رويترز للأنباء تصريحا للخبيرة، ليز ستورم، المحاضرة في سياسات الشرق الأوسط بجامعة إكستر علقت فيه على العملية بقولها: “إن تصويتا كبيرا بـ(بنعم) مع نسبة إقبال ضعيفة أو بطاقات اقتراع باطلة ليس نتيجة عظيمة”.

وقال مرصد العدالة بالمغرب إن الاستفتاء على مشروع الدستور “لا يعكس إرادة الشعب المغربي”، وسجل المركز المغربي لحقوق الإنسان أن “عملية الاستفتاء شابتْها خروق في عدد من مكاتب الاقتراع..”.

وفي تقرير صدر يوم 11 تموز/ يوليو 2011 عن المنظمة الحقوقية الدولية “هيومن رايتس ووتش”، علقت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على هذه الانتهاكات قائلة: “ليس كافيا اعتماد دستور يؤكد أنه ‘لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف’، ثم السماح بعد ذلك للشرطة بضرب المتظاهرين السلميين بالهراوات”.

في نطاق هذه الملاحظات والمعطيات نجد أنفسنا أمام موقفين متناقضين:

 الأول يمثله الطرف الرسمي ومن معه من المؤيدين، الذين يرون أن الشعب المغربي قد قال كلمته الأخيرة بموافقته على الدستور؛ لذلك على المحتجين مغادرة الشوارع، وتوفير الظروف المناسبة لتفعيل الدستور الجديد.

والثاني تمثله حركة 20 فبراير ومن يساندها، ويقول إن الشعب المغربي قاطع الدستور المفروض، وهي رسالة إنذار إلى النظام لكي يتدارك نفسه قبل فوات الأوان. ويضيف هؤلاء أنهم مصرون على مواصلة الاحتجاج السلمي من أجل التغيير الحقيقي

 سيناريوهات

السيناريو الأول:

يعتقد بعض المراقبين أن المغرب يحاول تقديم نموذج للتغيير لم يحدث في باقي البلدان العربية، خاصة في تونس ومصر، حيث ساهم انضمام المؤسسة العسكرية إلى مطالب الشعب في حسم الموقف، مما يرجح بقوة، فرضية التغيير التدريجي والسلمي في المغرب. ويتوقع رواد هذا السيناريو أن يطلق محمد السادس دينامية سياسية مجتمعية تبدأ أولاً بخلق أجواء الثقة بين السلطة والفاعل الجديد (قوة الشارع)، ثم مع الأطراف المعارضة، خاصة جماعة العدل والإحسان، من خلال إجراءات محددة، ربما قد تشمل تمكين الجماعة من ممارسة العمل السياسي، وفتح قنوات مستمرة للحوار مع قياداتها، وإطلاق سراح ناشطي حركة 20 فبراير وباقي المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وفتح أبواب الإعلام العمومي أمام الرأي المخالف، إضافة إلى تصفية ملفات الفساد الاقتصادي والسياسي، وإبعاد بعض الأسماء المشبوهة من المحيط الملكي، والقضاء على اقتصاد الريع والامتيازات في مختلف المجالات.

ويعتقد أصحاب هذه الرؤية أن النظام سيمارس عملية احتواء لمعارضيه، لكنه في المقابل سيُخضع ذاته لنوع من التغيير، وفي حال حصول هذا التحول، قد يجد المعارضون أنفسهم أمام مبادرة مشجعة للمشاركة السياسية، خاصة أن لا أحد منهم- حتى اليوم- دعا إلى إسقاط النظام أو استخدام العنف لتحقيق برامجه السياسية والمجتمعية.

السيناريو الثاني:

ينبني هذا السيناريو على فكرة أن النظام المغربي لم يستوعب التحول التاريخي الذي يشهده العالم العربي. لذلك لم يفكر النظام في إحداث تغيير حقيقي، بقدر ما حاول قدر الإمكان الانحناء للعاصفة، والدليل أنه استخدم -دائما- التعديلات الدستورية كأداة لصناعة المراحل والالتفاف على ضغوط التغيير (6 تعديلات في 49 عاما). وعلى هذا الأساس، يتوقع هذا السيناريو أن النظام سيلجأ في ما بعد إلى تهميش وتحييد كل منافسيه الأقوياء، ويمكنه في مرحلة أولى أن يلجأ إلى إقناع مكونات “20 فبراير” بفكرة تأسيس حزب سياسي، ثم الدخول إلى الساحة السياسية بصفة فاعل معارض معترف به، ثم ينتقل في مرحلة لاحقة إلى توظيف الاختلافات الإيديولوجية الموجودة بين الفاعلين في هذا الحراك الشبابي، ثم يدفع به في النهاية إلى الانقسام، وهي آلية معروفة استخدمتها السلطة مرارا لكسر معارضيها في تاريخ المغرب السياسي. ووفقا لهذا السيناريو سيكون الوقت سلاحا أساسيا، إضافة إلى صناعة القضايا والأحداث الجانبية التي ستستنزف طاقة حركة 20 فبراير وتشغل الرأي العام المغربي إلى حين.

السيناريو الثالث:

يرى أصحاب هذا التوقع أن مفعول التعديلات الدستورية لم يكن مؤثرا. ودليلهم أنه بعد إعلان النتائج الرسمية للاستفتاء مباشرة، خرجت في مدن المملكة تظاهرات رافضة ومصرة على مواصلة الاحتجاج، وحدثت في مدينة خريبكة ومحيطها الغني بالثروات الفوسفاطية، انتفاضة عنيفة للعاطلين.

ويعتقد أصحاب السيناريو الثالث أن فشل إقرار الدستور الجديد في إخماد الحركات الاحتجاجية، يعود إلى اعتماد الملك على الأحزاب (30 حزبا تقريبا) التي لا تحظى بقاعدة انتماء شعبي قوية في ترويج مبادرته الدستورية. فقد أشارت مصادر إعلامية إلى أن الدولة صرفت لبعض الأحزاب نحو 9 ملايين دولار عشية التصويت على الدستور، مع العلم أن التعديلات الدستورية لم تكن من مطالب هذه الأحزاب التي تعاني منذ سنوات عزلة داخل المجتمع المغربي، لذا تدافع هذه الأحزاب عن النظام سواء عدّل الدستور أم لم يعدّله.

ورأى آخرون أن الأساليب التي استخدمتها السلطة لإقناع المواطنين بالموافقة على الدستور جاءت بنتائج عكسية. ولاحظوا أن هذه التعديلات أعادت إلى الساحة المغربية نقاشا واسعا حول النظام الملكي، وإمارة المؤمنين، وسلطات الملك، وطقوس البلاط الملكي، مما نقل عملية استفتاء من تصويت على الدستور، إلى محاولة لتأكيد شرعية الملكية.

ويبدو أن كل الإجراءات التي قامت بها الحكومة لمحاصرة الغضب الشعبي، من إطلاق أو تأسيس مجالس مختلفة، وإطلاق سراح مجموعة من المعتقلين السياسيين، ورفع أجور الموظفين، وتشغيل مجموعة من العاطلين حملة الشهادات العليا، وإعفاء صغار الفلاحين من القروض، إضافة إلى سحب العائلة الملكية يدها من الاستثمار في المواد الأساسية في السوق الوطنية؛ لم توقف الاحتجاجات المهنية والشبابية، والتي أخذت منحى نوعيا بعد خروج مئات من أئمة المساجد والمؤذنين إلى الشارع مطالبين بالإنصاف وعدم تدخل وزارة الداخلية في شؤونهم.

بناءً عليه، يرى المرجحون لهذا السيناريو أن بإمكان النظام المغربي أن يتجاهل الاحتجاجات الشعبية على المدى القصير، مع استخدام معالجات أمنية جانبية وغير شاملة، حتى لا يثير انتقادات الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع المراهنة على دعم الأحزاب بإرضائها في الانتخابات التشريعية المنتظرة.

وهنا يُحتمل أن تطور الاحتجاجات أساليب عملها وأدوات اشتغالها، لتعمق تواصلها داخليا وخارجيا، وقد تجلب إليها الفئة التي ظلت صامتة حتى الآن، وربما يساهم التغيير الذي لحق النص الدستوري بعد التصويت عليه، في دفع فئة من المؤيدين للدستور إلى فقدان الثقة في النظام، بعد أن تسفر الوعود الحكومية عن واقع أكثر تأزما وتعقيدا.

ونتيجة هذا المسار التصاعدي، يمكن أن نكون قريبين من الحالة المصرية، ليس من ناحية نتائجها بالضرورة، ولكن على الأرجح من جهة صيرورتها، حيث ستتسع الحركة الاحتجاجية وتتنوع أنماطها قبل أن تتفجر الأوضاع. وربما يرتفع سقف المتظاهرين في الساحات والفضاءات العمومية. ولن يكون أمام السلطة حينئذ أي مجال لاحتواء قوة الشارع أو التخفيف من الاحتقان، لأن عامل الزمن لن يتيح لها الفرصة لاستعادة زمام المبادرة.

جدير بالذكر، أن نظام الملك في المغرب يحظى بشرعية تاريخية أكبر وأعرق من نظام كل من زين العابدين ومبارك. وقد تكون هذه الشرعية دافعا للثقة بالنفس والمضي في عملية الإصلاح حتى الملكية الدستورية، أو سببا للإيمان بإمكانية احتواء أي معارضة مهما بلغت عدالة مطالبها. ويبدو لنا، أن الخيار الثاني الذي يتمسك بالنظام الملكي غير الدستوري وغير المقيد، هو مجازفة كبرى في ظروف فاجأ فيها الشعب المغربي الجميع بحجم واتساع احتجاجاته السلمية

 



14/12/2011
0 Poster un commentaire

A découvrir aussi


Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 2 autres membres