قراءة في الحكامة المحلية بالمغرب
تعرف الحكامة على أنها الأسلوب المتبع من هيئة معينة لتحقيق مصلحة ما ، ويرى بعض المختصين على أن هدا المصطلح رديف للديمقراطية وهناك من يراها بأنها الديموقراطية نفسها .
والحكامة صنفان حكامة جيدة وصالحة وهي الحكامة الرشيدة التي تتوخى حسن التدبير في إطار من الشفافية والإشراك والتواصل واتباع أساليب التجديد وعدم التقوقع في القديم والاستفادة من تجارب الآخرين . وحكامة سيئة هي التي لا تاخد بالقيم السابقة ومالها الفشل والزوال .
إن الخوض في موضوع الحكامة المحلية بالمغرب يتطلب إطلالة عبر نافدة التاريخ عن التجربة الديمقراطية على الصعيد المحلي بالمغرب باعتبارها لصيقة بموضوع الحكامة بل هي جزء لا يتجزأ منها . يعتبر المغرب من أعرق الدول الإفريقية والعربية التي تبنت نهج الديمقراطية في تسيير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وكأية تجربة فتية لابد من التدرج في تبني هدا النهج ليحقق التنمية المطلوبة في جميع المجالات ، وقد اعتبر المغرب نهج الديمقراطية كخيار استراتيجي لا محيد عنه حيث ترك جزء من وظيفته لهيئات منتخبة لتدير شؤونها بنفسها ودلك نظرا لثقل وتشعب المهام الملقاة على كاهل الادارة المركزية ودلك وعيا منه بالمنافع الجمة التي يمكن تحقيقها أسوة بالدول الغربية الرائدة في هدا المجال ، فبعد فجر الاستقلال خرج إلى الوجود ظهير 23 يونيو 1960 كأول منظومة قانونية تدشن لعهد الديمقراطية بالمغرب ورغم انه مقتبس من القانون الفرنسي بحكم التبعية إلا انه وضع الأسس العامة لتنظيم إداري لا مركزي ، حيث قصر اختصاصات المجلس الجماعي المنتخب على التداول في مختلف شؤون الجماعة ، أما تنفيذ مقرراته فقد أسندت للسلطة المحلية باعتبارها الوصية عليها ، حيت كانت هده الأخيرة مشددة لكون هده التجربة جديدة تتطلب الحيطة والحذر حفاظا على المال العام وبالتالي فإن الحكامة كانت موزعة بين المجلس وسلطة الوصاية . لقد عمل المغرب بهذا القانون مدة 16 سنة كانت كافية للانتقال إلى مرحلة جديدة من الحكامة المحلية خصوصا وان ظهير 23/06/1960 لم يعد يستجيب لتطلعات السكان وطموحاتهم التواقة إلى تدبير شؤونها بنفسها ، وخرج إلى الوجود الظهير الملكي المؤرخ في 30 شتنبر 1976 الذي اعتبر نقلة نوعية في مجال الديمقراطية حيث أتى بتغييرات جوهرية شملت توسيع اختصاصات المجلس الجماعي في جميع المجالات منها الاختصاصات المالية من وضع الميزانية في إطار توجهات الخطة الوطنية والتصويت عليها وكدا جباية مختلف الضرائب وإدارة الأملاك الجماعية التي تعتبر إضافة إلى ما سبق من أهم موارد الجماعة إضافة إلى المعونة التي تمنحها الدولة للجماعات المحلية من عائد الضريبة على الدخل التي تلعب دورا مهما في سبيل تامين السير العادي الجماعات المحلية ، ويضاف إلى دلك إمكانية أخرى وظفتها الدولة لفائدة هده الأخيرة لتتمكن من تمويل الأشغال المتعلقة بالتجهيز ويتعلق الأمر بصندوق التجهيز الجماعي المحدث بظهير 13/06/1959 الذي لعب ومازال دورا مهما في تجهيز الجماعات المحلية بالماء الصالح للشرب والكهرباء وصيانة الطرق وغيرها من المنجزات بشرط أن تكون حكامة الجماعات المحلية تدير شؤونها المالية بشكل معقلن وفي وضعية اقتصادية سليمة بحيث تكون مؤهلة لتسديد الدين الذي في ذمتها .
إلى جانب ذلك هناك اختصاصات إدارية تتعلق بتعيين الموظفين في بعض المناصب والاطلاع بدور الشرطة الإدارية بتسليم بعض الرخص للحرفيين وغير ذلك من هذه الاختصاصات في مختلف المجالات. ونظرا لضعف تكوين جل المنتخبين كان لزاما الإبقاء على سلطة الوصاية التي تمثل الرقابة التي تمارسها وزارة الداخلية وممثليها من عامل وباشا وقائد على الأشخاص المنتخبين أنفسهم وعلى أفعالهم للحيلولة دون خروجهم عما هو منصوص عليه في القانون .
وبما أننا بصدد الحديث عن الحكامة المحلية سوف لن نسهب في استعراض مختلف الاختصاصات لان ما يهمنا هو موضوع الحكامة المحلية بالمغرب التي كانت سببا في عدم الانتقال الى مستوى متقدم من اللامركزية واقصد الجهوية التي أرادها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني على شاكلة اللاندر الألمانية وذلك حسب ما صرح به لإحدى الجرائد الأوربية ، ولكن لم يخرج هذا المشروع إلى الوجود حيث استدم بواقع اعتبر وصمة عار على جبين اللامركزية بالمغرب حيث صرح وزير الداخلية أنداك أن إدارته لم تصادق على 300 حساب إداري ناهيك على متابعة عدد مهم من رؤساء الجماعات أمام القضاء ، مما حدا بالمغرب كدولة تحترم نفسها وتحرص على المصلحة العليا للوطن أن تسند أهم اختصاصات المجلس الجهوي لممثل الوزارة الوصية (العامل مركز الجهة) مع الإبقاء على بعض الاختصاصات غير المؤثرة، لأنه كيف يمكن إسناد جهة بعرضها وقدها لأناس لم يستطيعوا إدارة جماعة صغيرة ، وهذا ما يجعلنا نجزم على أن المشكل غير راجع للنصوص القانونية أو المؤسسات إنما هو مشكل تكوين فرد يقدر المصلحة العامة ومؤهل لخدمة مصالح جماعته ومستوعب للضغوط الناتجة عن تلك المسؤولية والاكراهات التي يمكن أن تصادفه، فرد لا يتخلى على حياته السياسية وينكب على تحقيق سكينته ومصالحه الخاصة على حساب المال العام .
ومع إطلالة القرن الواحد والعشرين أصبح موضوع الحكامة المحلية من اهم انشغالات جلالة الملك محمد السادس باعتبارها أهم رهان لتحقيق النمو الاقتصادي ، فقد صرح جلالة الملك في خطاب ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة للبرلمان “…ولكي تنهض هده الجماعات بدورها كفاعل اقتصادي واجتماعي أساسي فقد آن الأوان لاستبدال تدبيرها الإداري البيروقراطي بتدبير ديمقراطي محفز للاستثمار …” وقد جسد ما جاء في الخطاب الملكي السامي صدور الظهير الملكي بتاريخ 3 أكتوبر2002 المتعلق بالجماعات المحلية الذي اعتبر تطورا ايجابيا مهما في مجال اللامركزية بالمغرب ، حيث أصبحت الجماعات المحلية فاعلا وشريكا يضطلع بأدوار طلائعية في عملية التنمية ، فقد استفادت الجماعات المحلية من تعزيز مواردها بالزيادة في منسوب الضريبة على القيمة المضافة كما تم توسيع اختصاصات مجالسها والتخفيف من سلطة الوصاية ونهج وصاية تتسم بالمسؤولية المشتركة القائمة على التعاون من اجل المصلحة العامة بين السلطة الوصية والمنتخبين المحليين وسن رقابة قضائية عن طريق المجلس الأعلى للحسابات الذي تولى مهمة الرقابة البعدية لأنشطة المجالس المحلية في جميع الميادين .
وتطويرا لآليات الحكامة بالمغرب نظمت عدة ندوات تكوينية لرؤساء واطر الجماعات المحلية وأيام دراسية في مختلف اختصاصات المجالس الجماعية في مجال الصفقات العمومية والموارد البشرية والمالية المحلية وغيرها من الميادين المتعلقة بالتدبير الجماعي .
وفي إطار التعاون الدولي عقد المغرب عدة شراكات مع فرنسا وايطاليا واسبانيا والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وغيرها من الدول ومنظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي ، وكان الغرض من هذه الشراكة هو تبادل التجارب والاستفادة من خبرات الدول الرائدة في هذا المجال . لقد استفاد من هده الدورات التكوينية والندوات أكثر من 3000 منتخب وإطار ينتمي إلى الجماعات المحلية ، كما يعتبر برنامج دعم مسلسل اللامركزية بالمغرب الذي عد من البرامج المهمة حيث مكن من مأسسة التكوين ليلاءم حاجيات الإدارة الترابية .
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 2 autres membres