الجماعات المحلية: مالية معززة خدمة لتنمية
تعززت مالية الجماعات المحلية ، باعتبارها وحدات للقرب، خلال السنوات الاخيرة ، بفضل الدينامية المسجلة سواء من خلال مداخيل الجبايات الرئيسية المخصصة لها، أو من خلال حصة من الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما يقوي هوامش تدخلاتها للإسهام في الجهود المبذولة من أجل تحقيق تنمية محلية مستدامة ومتجانسة.
وإجمالا، فإن الوضعية المالية للجماعات المحلية تبدو في أفضل أحوالها، كما تعكس ذلك معطيات وإحصاءات صندوق تجهيز الجماعات المحلية، والخزينة العامة للمملكة على حد سواء. حسب هذا الصندوق الذي يعد الشريك التقني والمالي الرئيسي للجماعات المحلية، فقد بلغت مداخيل هذه الجماعات الخاصة بالتسيير سنة 2008، حوالي 20 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 10 في المائة مقارنة مع سنة 2007، أي بمعدل إنجاز فاق مائة في المائة من توقعات الميزانية.ومن جهتها، ارتفعت نفقات التسيير إلى حوالي 13 مليار درهم، مما مكن من توفير حساب جاري تجاوز سبعة ملايير درهم، بإمكانه تغطية كافة نفقات التجهيز.
أما في ما يتعلق بثاني مورد من شق التجهيز، فقد جاء بشكل طفيف وراء الحصة الخاصة بالاستثمار (الضريبة على القيمة المضافة) حيث بلغ الحجم الاجمالي لمداخيل الاقتراض ملياري درهم، أي ما يعادل الحجم السنوي الأكثر ارتفاعا منذ إطلاق أول تنظيم جماعي سنة 1960.
وبخصوص الاستثمارات، فقد استثمرت الجماعات المحلية وتجمعاتها سنة 2008 حوالي 8 ملايير درهم، 24 في المائة منها في إطار المساهمة في البرامج الوطنية الخاصة بتعميم التزود بالكهربة والماء الشروب والطرق بالعالم القروي، وذلك حسب إحصائيات الخزينة العامة للمملكة.وبلغت نفقات الاستثمار ، التي نفذ 43 في المائة من التوقعات الخاصة بها بما في ذلك القروض المؤجلة، بالنسبة للجماعات الحضرية إلى 33ر3 مليار درهم، وبالنسبة للجماعات القروية (83ر1 مليار درهم) والعمالات والأقاليم (7ر1 مليار درهم) والجهات (06ر1 مليار درهم).وتركز الجماعات المحلية جهودها الاستثمارية بالأساس على مشاريع البنيات التحتية في عدد من المجالات كالماء والتطهير والطرق، فضلا عن الجانب الاجتماعي.
كما أن هذه الجماعات تضطلع بدور محوي في إعداد وتمويل المشاريع المدرجة ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث تصل نسبة مساهمة هذه الجماعات برسم الفترة 2006-2010 ما مجموعه 20 في المائة من الغلاف المالي المخصص لهذه المبادرة، التي تولي اهتماما خاصا لمشاريع القرب (10 ملايير درهم(.. ` 2008 سنة الإصلاحات `
لقد شهد الشأن المحلي خلال سنة 2008 مجموعة من الإصلاحات الرامية إلى التأكيد مجددا على الدور المحوري للجماعات في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.ويتعلق الأمر بالميثاق الجماعي الجديد، والمرسوم الجديد للتقسيم الإداري، ومدونة الانتخابات الجديدة، ودخول القانون رقم 06-47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية وتجمعاتها حيز التنطبيق.
وقد أجمع المنتخبون المحليون على أنه من شأن هذا القانون أن يشكل متنفسا هاما سيمكن الجماعات المحلية من تحسين مردودية الجبايات والضرائب المحلية، وتعزيز مواردها الخاصة، والتوفر بالتالي على إمكانيات تمويل هامة، وعصرنة طرق التدبير المالي والتخفيف من وصاية الإدارة المركزية.كما يتوخى هذا الإصلاح تبسيط قواعد اوضع لوعاء الضريبي ومساطر وقواعد التحصيل، وعدد الضرائب والرسوم، وكذا التنسيق بين الضرائب المحلية والوطنية من خلال حذف عدد من الرسوم التي تشكل ازدواجا ضريبيا مع جبايات الدولة.
وتعد ، التغييرات التي جاء بها الاصلاح الضريبي والذي يهم ضرائب ورسوم الجماعات المحلية والضرائب التي تشرف عليها الادارة العامة للضرائب لفائدة الجماعات، تغييرات متعددة تتعلق بحذف بعض الرسوم ذات المردودية الضعيفة أو التي تشكل ازدواجا ضريبيا مع جبايات الدولة وكذا دمج بعض الرسوم التي تمس نفس الوعاء.` ضرورة اعتماد حكامة جيدة `تفرض هذه الاصلاحات التي توخت تعزيز القدرات المالية للجماعات المحلية، سواء الحضرية أو القروية، على هذه الجماعات أن تضطلع بدورها كاملا في إنجاز المهام المتعددة التي تدخل في نطاق اختصاصتها، ولاسيما الاقتصادية والاجتماعية منها، إلا أنه يتعين اعتماد التعديلات الضرورية والأجوبة الواضحة والمناسبة للإشكاليات التي مازالت تطبع تدبير الشأن المحلي بالمغرب، بما في ذلك تلك المتعلقة بالكفاءات البشرية والحكامة الجيدة.
وفي هذا السياق، فقد تم التأكيد في أحد لقاءات “خميس الحكامة” الذي خصص لمناقشة إشكالية تمويل الجماعة المحلية، والذي أداره الوالي المدير العام للجماعات المحلية بوزارة الداخلية السيد نور الدين بوطيب أنه ليست هناك مشاكل تربتط بتمويل المدن، بل على العكس من ذلك فإن توقف تنفيذ المشاريع يتعلق باختلالات في الحكامة، وبشفافية محاسباتية وبمهنية المتدخلين وبغياب نظام فعال للتحسيس والتوعية.
وحسب بعض المعطيات التي تم الكشف عنها خلال هذا اللقاء، فإن 30 في المائة فقط من الاعتمادات المتوفرة تم استغلالها من ما مجموعه 22 مليار درهم المخصصة للتنمية الحضرية والتنمية السوسيو-اقتصادية للقرب، لفائدة 43 مدينة و21 مركزا جهويا للاستثمار.
وانطلاقا من هذه المعطيات، فإن الانتخابات الجماعية ل12 يونيو المقبل ستشكل فرصة سانحة للمغاربة للمساهمة بشكل فعال في تجاوز هذه الاختلالات، وذلك من خلال التوجه بكثافة لصناديق الاقتراع لانتخاب الكفاءات القادرة على تدبير شؤونهم المحلية بشكل أفضل والمساهمة في بلورة رؤية استراتيجية للفترة 2009-2015
الجماعة المحلية والوصاية
1- ماهي الجماعات المحلية وما هو الإطار القانوني الذي ينظمها ؟
الجماعات المحلية حسب الفصل 100 من الدستور هيٍ : "الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية وكل جماعة أخرى تحدث بقانون" وهي وحدات ترابية داخلة في حكم القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. تتوفر الجماعة على مجموعة بشرية وتنظيم إداري وأجهزة منتخبة وأجهزة إدارية وموارد بشرية ومالية مستقلة.
فالجماعة تسير وتدير شؤونها من قبل مجلس جماعي منتخب على اعتبار أنها الدائرة الأولى التي يتمكن فيها المواطنين بواسطة من انتخبوهم في المجلس الجماعي من أن يديروا شؤونهم بحرية ويمارسوا حقوقهم المدنية و بأن تكون لديهم إدارة قريبة وفعالة تصغي إلى انتظار اتهم وتطلعاتهم.
وتجربة الجماعات المحلية بالمغرب هي تجسيد لخيار اللامركزية الإدارية الذي اعتمده المغرب منذ الاستقلال وهي تمثل خياراً لا رجعة فيه وورشاً يحظى بالأولوية في السياسات العامة للمملكة.
فكرة اللامركزية الإدارية أو الإقليمية تقوم على أساس توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية بالعاصمة وبين هيئات محلية مستقلة. ويشترط في ذلك توفر ثلاث أركان:
- الاعتراف بوجود مصالح محلية مستقلة ومتميزة عن المصالح الوطنية
- أن يعهد بالإشراف على هذه المصالح إلى هيئات منتخبة
- أن تستقل هذه المجالس في ممارسة اختصاصاتها تحت إشراف السلطة المركزية.
لقد شهدت اللامركزية على مستوى الجماعات إصلاحاً جذرياً في العام 1976 من خلال اعتماد إطار قانوني جديد خوّل الجماعات مسؤوليات واسعة فيما يتعلق بتدبير الشؤون المحلية، ونقَـل سلطة إجراء مداولات المجالس من ممثل الدولة إلى رئيس المجلس الجماعي باعتباره سلطة منتخَبة.
كما تم تعزيز مسلسل اللامركزية عام 1992 من خلال إحداث الجهة، باعتبارها جماعة محلية ذات اختصاص، تشكّل إطاراً ملائماً لتطوير آليات ومناهج جديدة كفيلة بتثمين أمثل للموارد البشرية والطبيعية والبيئية للجهة.
فالجهة تمثل إطاراً جغرافياً يضم أبعاداً اقتصادية واجتماعية وثقافية، تقوم على تعزيز أسس الديمقراطية المحلية، والتضامن داخلياً وخارجياً بين الجهات والتنسيق بين مختلف الفاعلين الذين يكوّنون الجهة بغية تحقيق تنمية محلية مندمجة ومتنوعة.
وهكذا حدّد ظهير 2 أبريل 1997 تنظيم الجهة على أساس تعزيز الممارسات الديمقراطية، من خلال تمكين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وباقي مكوّنات المجتمع المدني، من استثمار الجهة باعتبارها فضاء جديداً للتفكير والحوار والعمل.
لقد صاحبت قوانينَ اللامركزية إنْ على مستوى الجماعة، أو العمالة أو الإقليم أو الجهة، جملةٌ من إجراءات المواكبة تتوخى تمكين الهيئات المنتخَبة من أداء مهامها في أمثل الظروف التي تضمن الفعالية ونجاعة الأداء. فالإصلاح الجماعي الذي أتى به ظهير 30 شتنبر 1976 وقع تعديله بمقتضى ظهير3 أكتوبر 2002 القاضي بتنفيذ القانون رقم 00- 78 المتعلق بالتنظيم الجماعي والذي تم من خلاله تعدد مسؤوليات المجلس الجماعي لتشمل كل مجالات التنمية المحلية، هذا الأخير بدوره شهد تعديلا خلال هذه السنة وذلك من اجل وضع اليد على مكامن الخلل والإشكاليات التي أبانت عنها تجربة اللامركزية والتي يستوجب تجاوزها إصلاح وملائمة الإطار القانوني الذي ينظم العمل الجماعي... وهكذا وبمقتضى التعديل الذي جاء به ظهير 1-08-153 الصادر بتاريخ 18 فبراير 2009 القاضي بتنفيذ القانون رقم 17-08، أدخلت عدة تعديلات على الميثاق الجماعي تتمحور عموما في تقوية آليات الحكامة المحلية، ودعم وحدة المدينة، وتحسين آليات تدبير المرافق العمومية بالتجمعات الحضرية الكبرى، والحد من هشاشة مؤسسة الكاتب العام ...
إلى جانب تعديل ووضع قوانين جديدة أخرى كالتنظيم المالي لجماعات المحلية من خلال ظهير 01-09-02 الصادر بنفس التاريخ (18/02/2009) والقاضي بتنفيذ القانون رقم 45-08
والقانون رقم 47/06 المتعلق بتنظيم الجبايات المحلية الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح يناير 2008
2 - ما هي مهام واختصاصات الجماعات المحلية ؟
فحسب المادة 35 من الميثاق الجماعي الجديد "يفصل المجلس بمداولاته في قضايا الجماعة.ولهذه الغاية، يتخذ التدابير اللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...يستفيد من مساعدة الدولة والأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام..." كما ان المادة 36 من نفس الميثاق تنص على: " يدرس المجلس الجماعي ويصوت على مشروع مخطط جماعي للتنمية، يعده رئيس المجلس الجماعي...يحدد المخطط الجماعي للتنمية الأعمال التنموية المقرر انجازها بتراب الجماعة لمدة ست سنوات، في أفق تنمية مستدامة وفق منهج تشاركي يأخذ بعين الاعتبار على الخصوص مقاربة النوع..." من خلال هاتين المادتين، يتضح أن المسؤولية التنموية للجماعة تتخذ ثلاثة أوجه :
مسؤولية اقتصادية: وتبرز في البرامج الاقتصادية المحلية التي يعدها المجلس بصفته شريكا في التنمية، إما كمساعد للدولة بتثبيته لبنيات استقبال لمشاريع وإما كفاعل محلي يسعى إلى أهداف اقتصادية تتماشى مع خصوصياته. فدائما حسب المادة 36 من الميثاق الجماعي، يضع المجلس كل التدابير التي من شانها المساهمة في الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة والصناعة التقليدية والسياحة والخدمات. يقوم المجلس كذلك بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة، ولا سيما انجاز البنيات التحتية والتجهيزات وإقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف المقاولات...
مسؤولية اجتماعية: بما أن المجلس الجماعي هو المعبر عن إرادة الناخبين على المستوى المحلي، فهو بدلك الأقرب لمعرفة حاجيات المواطنين و ترتيب أولوياتها ومدى تأثير الاستجابة لها على نفسية سكان الجماعة. فالمجلس يضع برامج تجهيز الجماعة في حدود وسائلها الخاصة والوسائل الموضوعة رهن إشارتها...وتشمل هذه البرامج مجالات الصحة، التربية الوطنية والشبيبة والرياضة.
مسؤولية ثقافية: تتمثل في النهوض بالشأن الثقافي على المستوى المحلي ودعم الجمعيات الثقافية من اجل الحفاظ على التراث الثقافي المحلي وإنعاشه ...كما يساهم في انجاز وصيانة وتدبير المراكز الاجتماعية للإيواء ودور الشباب والمراكز النسوية ودور العمل الخيري ومأوى العجزة والمنتزهات ومراكز الترفيه...يساهم المجلس كذلك في انجاز وصيانة المركبات الثقافية والمتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية ويشارك في التنشيط الاجتماعي والثقافي والرياضي بمساعدة الهيئات العمومية المختصة.
إذا ومن خلال ما تقدم، يمكن أن نعتبر الجماعات المحلية مؤسسات للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية و السياسية إذا توفرت الشروط الدستورية و القانونية و الاقتصادية التي تساعد فعلا على قيام تلك الجماعات بدورها التنموي المحلي الرائد، و يتمثل الشرط الأساسي لإفراز مجالس جماعية تعبر عن إرادة الساكنة على المستوى المحلي و يعطي للجماعات المحلية سلطة القيام بالتنمية المتعددة الأوجه كما سبق تفصيله، في توفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات حرة و نزيهة لإفراز مسؤولين جماعيين يعبرون قولا و فعلا عن إرادة الناخبين الذين اختاروهم للقيام بالعمل الجماعي. أما الشرط الاقتصادي، فيتمثل في ضبط الموارد القائمة، و البحث عن موارد جديدة بعيدا عن إثقال كاهل المواطنين بالضرائب المختلفة، وترشيد صرف تلك الموارد في مشاريع تنموية تساعد على نهوض الجماعة وتحقيق إقلاع اقتصادي متكامل...والتصدي ومحاربة المشاريع الوهمية، أو شبه الوهمية،التي يراد بها فقط على نهب الموارد الطبيعية للجماعة والإثراء السريع على حساب الساكنة المحلية وتفويت فرص التنمية على الجماعة...
3- ماهي حدود ممارسة أعمال الوصاية على المجالس الجماعية والى أي حد يمكن اعتبارها آلية لتحكم في حركية المجالس والحد من استقلاليتها ؟
يقول مونتسكيو "من يملك السلطة، يميل إلى سوء استعماله" ومن خلال ما تم شرحه، يتضح أن المشرع أعطى للجماعات المحلية سلطات واسعة فيما يتعلق بتسيير الشأن المحلي، لهذا السبب ومن اجل منع انحراف وتخاذل وتعنت وإساءة استعمال الهيئات اللامركزية لسلطاتها، خول للإدارة المركزية ممارسة الوصاية على أعمال وأشخاص الإدارة اللامركزية.
الوصاية اذا هي مجموعة السلطات التي يمنحها المشرع لسلطة إدارية عليا لمراقبة أعمال المجالس المحلية بغية تحقيق مشروعية أعمالها وعدم تعارضها مع المصلحة العامة.
لقد حددت المادة 68 من ظهير 18 فبراير 2009 الغاية من الوصاية في الأهداف التالية:
- السهر على تطبيق المجلس الجماعي وجهازه التنفيذي للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
- ضمان حماية الصالح العام
- دعم ومساندة الإدارة.
غير أن ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، هو أن هذه الوصاية ليست مطلقة بل هي مقيدة، مشروطة ومحدودة في الحالات المتضمنة في النص القانوني المؤطر لعمل الجماعات المحلية.
وتنقسم الوصاية الإدارية على المجلس الجماعي إلى وصاية على الأشخاص ووصاية على الأعمال.
أوجه الوصاية على الأشخاص هي:
- الإقالة التحكمية لعضو المجلس – توقيف وعزل رئيس المجلس ونوابه – الحلول محل رئيس المجلس الجماعي
أما أوجه الوصاية على الأعمال فهي:
- الوصاية على قرارات رئيس المجلس، فالقرارات التنظيمية لهذا الأخير لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد أن تصادق عليها سلطة الوصاية – مراقبة المشروعية، بحيث ان المقررات المتخذة خلال مداولات المجلس يجب أن توجه نسخة منها لزوما إلى السلطة المحلية قصد المصادقة عليها....وهناك أيضا مراقبة الملائمة والتي لا تتخذ الإطار القانوني مرجعية لها بقدر ما هي سلطة تقديرية واسعة تسمح للسلطة برفض مقررات المجلس أو إعادة دراستها بحجة ما يترتب عنها من أعباء مالية أو خطورة على البيئة أو تهديدا للسكينة العامة...
4- ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه المنتخب (مستشار، رئيس،...) داخل الجماعة ؟ كيف ينكس ذلك الدور على النهوض بالجماعة وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة ؟
يتكون المجلس الجماعي من مستشارين يتغير عددهم بحسب الأهمية السكانية للجماعة والمستشارون هم أعضاء بهذه المجالس يشاركون بقوة القانون، في تدبير أمور منطقتهم وهم مطالبون بالمساهمة في وضع خطط التنمية المحلية والعمل على إنجاحها.
هناك صنفين من المستشارين الجماعيين: الصنف الأول هم نواب الرئيس، يملكون تفويضا من فبل هذا الأخير من اجل ممارسة بعض مهامه التي تكون محددة في قرار التفويض، كتصحيح الإمضاء، توقيع بعض الرخص...وهم بذلك يساهمون في التخفيف من أعباء التسيير اليومية التي يتحملها الرئيس.
أما الصنف الثاني من المستشارين، فهم لا يملكون أي تفويض وتواجدهم بالجماعة يستند إلى انتدابهم من طرف السكان المنتخبين الذين يمثلونهم داخل الجماعة. فدور هذه الفئة من المستشارين في تسيير الشأن المحلي هو في الحقيقة جد محدود وينحصر غالبا في ممارسة دور المعارضة خلال دورات المجلس وعدم التصويت على القرارات التي يرون أنها قد تنعكس سلبا على ساكنة الجماعة.
أما بالنسبة للرئيس، فهو في الحقيقة له اختصاصات جد واسعة وجد هامة، فهو المسؤول الأول والضامن لانسجام العمل بالإدارة الجماعية و تنفيذ جميع خطط التنموية الخاصة بالجماعة. لذلك يشترط فيه أن يكون ذا تكوين يؤهله لتحمل هذه المسؤولية بالكفاءة اللازمة. فرئيس المجلس يجب أن تتوفر فيه، بالإضافة إلى المميزات الأخلاقية، أن يكون ملما بكل ما يدخل في اختصاصه باعتباره مشرفا على مصالح مختلفة ومتنوعة(إدارية، اقتصادية، اجتماعية...) فمن المفروض أن يكون رجل تدبير بامتيازmanager لان مهمة القيادة لا يمكن تصورها دون وضع إستراتيجية تنموية محددة الأهداف والوسائل.
لكن التجربة في وطننا العزيز، نادرا جدا ما تعطينا مثل هذا النوع من الرؤساء، فالديمقراطية وللأسف لهل ثمن، وقد يكون هذا الثمن غاليا جدا ومكلفا للجماعة بحيث قد يفت عليها موعدها مع التنمية والإقلاع الاقتصادي المنشود... ففي هذه الحالة، وعلى الأقل من اجل الحد من الضرر، يجب على الرئيس أن يفوض جملة من الاختصاصات المخولة له قانونا إلى نوابه الاكفاء وبان ينسق بشكل كبير مع الكاتب العام للجماعة ومع رؤساء الأقسام والمصالح وبان لا يتردد في استشارة كل من له تجربة وخبرات في التدبير.
5- ما هي الاكراهات والمعيقات التي تواجه الجماعات المحلية وما هي الحلول المناسبة لتجاوزها ؟
الاكراهات والمعيقات التي تواجه الجماعات المحلية هي في الحقيقة كثيرة ومتنوعة، وتناولها بالتفصيل يتطلب شرحا مستفيضا من خلال وضع تقييم كلي لتجربة اللامركزية بالمغرب... لكنني و بالنظر لضيق المجال، سوف اكتفي بالإشارة فقط إلى بعض النقط بشكل عام ومقتضب.
أول الاكراهات التي تحد من حرية المجالس الجماعية، نجد الوصاية الإدارية والمراقبة المالية التي تعاني منهما الجماعات والتي وبالرغم من نداءات المناظرات المتعاقبة ودعوات الأحزاب السياسية الملحة، لم تعرف تطورا ايجابيا في اتجاه تخفيفهما...ففي ظل سيف الوصاية المسلط على رقاب المجالس الجماعية، يصعب الحديث عن حرية المبادرة أو الاستقلال المالي لهذه المؤسسات التمثيلية لتتمكن من تحقيق تنميتها المستدامة. لهذا نقترح تقويم الاختلال القائم حتى تملك المجالس استقلاليتها عن السلطة الوصية في تدبير الشأن الجماعي على مستوى التسيير والتقرير وعلى مستوى البحث عن موارد جديدة بعيدا عن إثقال كاهل المواطنين ، وسعيها إلى القيام بتنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية لتوفير شروط حياة أحسن لساكنة الجماعة.
هناك أيضا مشكل انغلاق المجلس الجماعي على ذاته وعدم انفتاحه على المواطنين ومكونات الرأي العام المحلي والمجتمع المدني، مما يسقطه في فخ القطيعة مع الهيأة الناخبة ويصبح بالتالي مجرد إدارة بيروقراطية إضافية لا تملك أية تمثيلية و لا أية شرعية سياسية .
من الأخطاء كذلك التي يمكن أن يسقط فيها المجلس الجماعي هو سلوك الغطرسة والعجرفة التي يقع فيها بعض المستشارين الجماعيين المقربين من الرئيس، فما أن تنبثق الأغلبية داخل المجلس حتى تهمش الأقلية وتصبح مضايقة ومحاصرة ومشلولة الحركة، لان كل ما يصدر منها، هو في رأي المجلس المسير مناورة للإيقاع به ونسف وحدته...فهذه السلوكات تزيد من عزلة المجلس عن محيطه وتجعله غير قادر على تحمل الانتقاد وسماع الفكر المخالف وطبيعي أن المجلس المتصف بهذا السلوك يعتقد أن كل ما يقوم به هو عين الصواب، ومن ثمة يصبح مستبدا لا يتوانى في فرض إرادته ويسقط في فخ البيروقراطية والانتهازية وخدمة المصلحة الخاصة ...
هناك أيضا فئة من المستشارين، ونضرا لجهلهم بالقانون ولحدود اختصاصاتهم، يضنون أن عملية الانتخاب كافية لإخضاع الموظف الجماعي لرغبتهم وقد يذهب به الجهل ورغبتهم في تلبية حاجيات الناخبين أو حاجياتهم الخاصة إلى أن يطلبوا من الموظف القيام بأفعال غير مشروعة قانونا... لهذا نحن نقترح في هذا المجال ضرورة تكوين المستشار الجماعي وتلقينه دروسا ولو شفوية من اجل معرفة حدود اختصاصاته والدور الموكول له كما يجب اشتراط الكفاءة العلمية والأدبية والقانونية في الترشيح لشغل عضوية الجماعة حتى لا تسقط الجماعة بين أيدي مجلس يتكون من أعضاء يفتقدون الكفاءة والقدرة على تدبير الشأن الجماعي .مما يبرر قيام السلطة الوصية، وفرض وصايتها على العمل الجماعي .
من المعيقات كذلك إثقال كاهل الجماعة بالديون المقترضة من صندوق الجماعات المحليةFEC للقيام بأمور لا علاقة لها بتنمية الجماعة أو للتسيير العادي ، مما يدخل الجماعة في عملية خدمة الدين .
من حيث عمل المجلس هناك مشكل غياب هيكل تنظيمي للجماعة يبين اختصاصات كل قسم أو مصلحة على حدة. فلا يمكن تصور عمل المصالح و تجنب تداخل الاختصاص إذا لم يتوفر هيكل إداري على ضوئه تضبط المسؤوليات ويقسم العمل داخل الجماعة...كما انه يجب أن يوضع على رأس هذه الأقسام موظفين في المستوى المطلوب بناءا على المؤهلات العلمية والتجربة وليس على اعتبار العلاقة والقرابة من المستشارين...
من الاكراهات كذلك غياب شروط العمل بالإدارة الجماعية، فالتحولات المجتمعية والتطورات السياسية تقتضي توفر بنيات جماعية في مستوى الدور المنوط بهذه المؤسسات الدستورية...غر أن واقع الحال بجل الجماعات بالمغرب هو غير ذلك (نموذج مدينة وجدة).
وهناك مشاكل أخرى من قبيل الاختلالات التي تعتري مشاريع التدبير المفوض، ونقص الموارد البشرية المؤهلة، وتدني أجور الموظفين الصغار، وبطء تنفيذ المشاريع التنموية بسبب النقص في التمويل وعدم القدرة على المواكبة...
وهذه العوائق وغيرها مما لم نأت على ذكره تجعل الدور التنموي للجماعات المحلية شبه منعدم و بالتالي فإن المجالس الجماعية لا يمكن أن تقوم إلا بدور تسيير بعض شؤون المواطنين مما يمكن أن تشرف عليه السلطة الوصية نفسها.
اخيـــــرا
التنمية المحلية لا تكون إلا بتوفير شروط محددة، من أهمها أن يكون المجلس الجماعي معبرا عن إرادة الناخبين في الدائرة الانتخابية بصفة خاصة، و عن إرادة المواطنين في تراب الجماعية بصفة عامة، أي أن تكون هناك ديمقراطية من الشعب و إلى الشعب ديمقراطية حقيقية تحرم شراء الضمائر في الانتخابات من قبل سماسرة الانتخابات الذين يستغلون جهل الناس و فقرهم، نظرا لما لذلك من اثر في إفساد الحياة السياسية بصفة عامة وإفشال تجربة العمل الجماعي .
كما يجب على السلطة المحلية أن تلعب دورها كاملا في الحرص على إجراء انتخابات حرة و نزيهة وتجريم كل أشكال التزوير المعروفة كالسماح بإقامة الولائم بمناسبات مختلقة، أو حتى بدون مناسبة، أو بغض الطرف عن شراء الضمائر، أو قيام المقدمين و الشيوخ بتوجيه الناخبين... هذه الممارسات التي لا تتماشى أبدا مع التوجه العام للسلطات العامة ببلادنا والتي تعطي انطباعا جد سلبي وتفقد المواطن الثقة في المؤسسات التمثيلية المحلية.
الجهة ... من إطار بسيط للعمل الاقتصادي إلى جما
اعتبرت الجهة في مرحلة أولى كإطار بسيط للعمل الاقتصادي وتم رفعها الى صف جماعة محلية حقيقية بهدف المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة .
ففي سنة1971 ، كانت هناك رغبة لإخضاع نظام الجهوية لاختبار النضج. وهو ما يفسر أنه تم اعتبار الجهة في مرحلة أولى كإطار بسيط للعمل الاقتصادي من أجل إنجاز الدراسات وتنفيذ البرامج. لقد كانت إذن، إطارا محايدا وغير ذاتي استحق عن جدارة أن يكون اختبارا لفكرة الجهوية.
غير أن مظاهر نقائص النظام الجهوي المحدث سنة1971 ، وفشله بالاضافة الى عدد من العوامل الداخلية والدولية أثرت في اتجاه ضرورة رفع الجهة الى صف جماعة محلية حقيقية.
إن الفصل التاسع من دستور1992 هو الذي يرسخ للمرة الأولى الجهة باعتبارها جماعة ترابية. ويوضح أن "الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، ولا يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إلا بقانون ".
ويشير القانون رقم96 -47 المتعلق بتنظيم الجهة، في التقديم (بيان الأسباب)، إلى أن "الجهة تبدو إطارا ملائما وحلقة رئيسية قادرة على إتمام واستكمال الصرح المؤسساتي للمملكة باعتبار أن الجهة ستبدع هيئة جديدة ستمكن ممثلي السكان من التداول في إطارها، بكيفية ديمقراطية، من خلال منتخبيهم في الجماعات المحلية والهيئات الاجتماعية المهنية، في شأن مطامح ومشاريع جهاتهم وبالتالي إعطاء الانطلاقة لديناميكية متميزة للمنافسة والتنمية الجهوية المندمجة ".
وتنص المادة الأولى من القانون في فقرته الثانية، على أنه " تناط بالجهات، مع مراعاة الاختصاصات المسندة إلى الجماعات المحلية الأخرى، مهمة المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعات الجهوية بتعاون إن اقتضى الحال مع الدولة والجماعات المحلية المذكورة ".
وبشكل عام، يمارس المجلس الجهوي ثلاث فئات من الاختصاصات، وهي اختصاصات خاصة، واختصاصات تنقلها إليها الدولة، واختصاصات تهم تقديم اقتراحات وإبداء آراء .
غير أن العمل الحقيقي لهذه الاختصاصات يعوقها تأطير جامد للجهوية وثقل مراقبة الوصاية .
وبالتالي، وحسب المادة41 من القانون الخاص بالجهة فإنه لا تكون قرارات المجلس الجهوي قابلة للتنفيذ إلا إذا صادقت عليها سلطة الوصاية وخاصة ما يتعلق بمسائل الميزانية الجهوية و الاقتراضات المراد إبرامها والضمانات الواجب منحها و فتح حسابات خصوصية و فتح اعتمادات جديدة ورفع مبالغ بعض الاعتمادات و التحويل من فصل إلى فصل و قبول الهبات والوصايا أو رفضها و تحديد كيفية وضع أساس الرسوم والأتاوى ومختلف الحقوق المحصلة لفائدة الجهة وتحديد تعريفاتها وقواعد تحصيلها وذلك وفقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل والامتيازات والوكالات وغيرها من أنواع تدبير شؤون المرافق العامة الجهوية والمساهمة في شركات اقتصادية مختلطة وجميع المسائل التي لها ارتباط بمختلف هذه الأعمال و الاشتراءات والبيوع أو المعاملات أو المعاوضات المتعلقة بعقارات الملك الخاص وأعمال تدبير الملك العام.
وتعكس المراقبة بالمصادقة كما ينص عليها قانون الجهة تدخلا للسلطة المركزية يعادل تدخلا حقيقيا في الشؤون الداخلية للجهات.
من جهة أخرى، فإن الاستقلال المالي للجهات ضيق ومحصور، حيث لم يتم بعد إحداث صندوق للموازنة والتنمية الجهوية الذي نص عليه القانون. ويتعين على الدولة إذن السهر على أن تتوفر هذه الهيئات الجهوية على الوسائل المالية الخاصة المستقلة والكافية.
وأخيرا، يطرح بحدة مشكل التقطيع الجهوي، الذي يعتبر عاملا حاسما في اختلال التوازن الترابي. وقد تم وضع الخريطة الجهوية الحالية التي تضم 16 جهة، على أساس معايير سياسية وجيواستراتيجية غير منسجمة في الغالب مع متطلبات وإكراهات التنمية.
وكل هذه المشاكل والمعيقات تستأثر باهتمام صاحب الجلالة الذي شدد في الرسالة التي وجهها جلالته للملتقى على ضرورة تعزيز أسس لامركزيتنا بواسطة نظام للجهوية الموسعة على أساس أقطاب جهوية متجانسة. وبذلك فإن إرادة تحقيق إقلاع حقيقي للجهوية أصبحت حقيقية.
ويبشر التفكير الجاري بخصوص شكل مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية المسترجعة الذي تنخرط وتشارك فيه الأحزاب السياسية والمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية ، برؤية متفائلة تعيد التفكير في المجال الجهوي في مجمله .
وسيتم الاستناد في هذا المجال على تعزيز الديمقراطية الجهوية، وتطوير الحكم الذاتي الجهوي ، والنهوض بالنخب والسلطات المحلية، وتكريس التضامن الترابي.
من جهة أخرى، حظي اللاتمركز الإداري باعتباره لازمة للامركزية وللجهوية باهتمام خاص في رسالة جلالة الملك.
تسريع مسلسل اللاتمركز الإداري :
يرتكز اللاتمركز الترابي على الاعتراف للفاعلين العموميين المحليين أو الموظفين على رأس مقاطعة إدارية بإمكانية ممارسة بعض الاختصاصات الإدارية التي يمارسها هؤلاء الفاعلون بالعاصمة أو بمختلف النقط الترابية. غير أن هذا النقل للاختصاصات يعتبر مرفوقا بصيانة ممارسة السلطة التراتبية.
ويستلزم اللاتمركز إذن نقلا جزئيا ما دام أنه لا يهم إلا الشؤون ذات الطبيعة الترابية ونقلا محددا بشكل دقيق بواسطة النصوص لأنه لا يهم كل هذه الشؤون، ولكن البعض منها.
ويتميز اللاتمركز كما تتم ممارسته بالمغرب بتقاسم للاختصاصات التي تمارس باسم السلطة المركزية، لكن مع الحفاظ على تبعية للسلطة المركزية لكل المكلفين باختصاصات لامتمركزة.
وفي الحياة الإدارية الواقعية بالمغرب، تتغلب المركزية بشكل واسع على اللاتمركز. ففي الغالبية الكبرى، تبقى سلط السلطات اللامتمركزة وخاصة بالنسبة لتلك التي توجد خارج العاصمة، ضعيفة في غالبية الأحيان.
وتبدو التدابير الهادفة إلى تطوير اللاتمركز جد خجولة. ويمكننا الحديث عن غياب سياسة حقيقية للاتمركز.
لكن هذا التأكيد مشروط بالمصادقة على مرسوم20 أكتوبر 1993 المتعلق باللاتمركز الإداري.
ويفسر غياب سياسة حقيقية للاتمركز بوجود احتراس معين تجاهها. ففي الواقع، هناك عوائق مختلفة حالت دون تطوير مذهب محدد.
ويتمثل العائق الأول في هيمنة اللامركزية. فبين كل مواضيع التفكير حول الإصلاح الإداري، يبدو موضوع اللامركزية أكثر إثارة للاهتمام، فرجال السياسة والخبراء والمزاولون لمهام إدارية وغيرهم يقدمونها كحل لمحاربة المبالغة في البيروقراطية.
غير أن هذه الأهمية الممنوحة للامركزية غيبت تلك الممنوحة للاتمركز .
ومن جهة أخرى، يمكن أن نكشف عائقا ذا طبيعة نفسية أمام لاتمركز السلطات الإدارية. فبالنسبة للإدارة المركزية، فإن اللاتمركز غالبا ما يؤدي، بالنسبة للمسؤولين المعنيين، إلى شعور بالحرمان . ولا يمكن القيام بأي مبادرة جدية بهذا الصدد إذا لم تقبل السلطات المركزية بالعاصمة بضرورة اللاتمركز. وبخصوص المصالح الخارجية، نجد في بعض الأحيان نوعا من الحذر إزاء تدابير اللاتمركز التي تفترض ممارسة مسؤوليات يتعين عليهم تحمل نتائجها.
واقترح مرسوم رقم2 -93 -625 الصادر بتاريخ20 أكتوبر1993 إيجاد حل لهذه النقائص من خلال صياغة أسس للاتمركز الإداري يجسد وعي الحكومة المغربية بالأهمية التي يكتسيها حاليا اللاتمركز ودوره في تحديث الإدارة.
كما نص مرسوم1993 على إحداث لجنة دائمة للاتمركز الإداري، والتي تقترح السياسة الحكومية في ميدان اللاتمركز الاداري وتؤمن متابعة تنفيذ هذه السياسة.
وبفضل إرادة جلالة الملك، فإن مسلسل اللاتمركز عرف دفعة حقيقية من خلال الرسالة الموجهة للوزير الأول يوم تاسع يناير2002 ، والمتعلقة بالتدبير اللاممركز للاستثمار. وقرر جلالة الملك في هذه الرسالة إحداث ، تحت مسؤولية ولاة الجهات، مراكز جهوية للاستثمار، تقوم بوظيفتين أساسيتين، هما المساعدة على خلق المقاولات وتقديم المساعدة للمستثمرين.
كما أمر جلالة الملك الحكومة بإعداد إصلاح للممثليات الجهوية للإدارات المركزية، يرمي خصوصا إلى التقريب بينها لتحقيق المزيد من تظافر الجهود والانسجام، والانكباب على وضع المستخدمين بها وتحفيزهم، وتشجيع العناصر اللامعة في إدارتنا على اختيار مسار مهني بجهات المملكة وليس فقط في الإدارات المركزية.
كما جاء مرسوم جديد تحت رقم2 -05 -1369 الصادر بتاريخ ثاني دجنبر2005 ليحدد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري، وكذا توزيع الاختصاصات والوسائل بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة.
ويستفاد من مقتضيات هذا النص الجديد أنه يتعين على الإدارات المركزية أن تكتفي بتطبيق السياسة الحكومية الخاصة بقطاعات أنشطتها، بتطبيقها وتقييم نتائجها وإعداد مشاريع نصوص تشريعية أو تنظيمية و توجيه ومراقبة عمل المصالح اللاممركزة وكذا تقييم الوسائل الضرورية لاشتغالها. وتتكلف المديريات الجهوية والإدارات بالإقليم أو بالعمالات وكذا المصالح التي تشكلها، بتنفيذ جميع القرارات والتوجيهات الصادرة عن السلطات المركزية . وتضع الإدارات المركزية رهن إشارة المديريات والإدارات المذكورة سلفا، الوسائل الضرورية لاشتغالها .
ويتعين على رؤساء القطاعات الوزارية تفويض التوقيع ومسؤولية اتخاذ القرارات الإدارية الفردية لرؤساء المصالح اللاممركزة على صعيد الجهة، العمالة أو الاقليم، باستثناء القرارات التي لايمكن تفويضها، بموجب المقتضيات التشريعية أو التنظيمية.
ويطرح اللاتمركز الإداري مباشرة مشكل إعادة توزيع المستخدمين بين الادارة المركزية والمصالح الخارجية. وينبغي أن يكون نقل الصلاحيات مصحوبا بالوسائل البشرية والمادية الضرورية حتى تتمكن المصالح الخارجية من ممارسة مهامها الجديدة بشكل ملائم وفعال.
كما أن اللاتمركز ليس فقط مشكلا تقنيا. فهو أيضا، وبالأساس مسألة اقتناع ورغبة . والشيء الأساسي، هو إرادة إنجاز الاصلاح. والواقع أن اللاتمركز لحد الآن لا يلعب الا دورا محدودا لاصلاح إدارتنا. وهذا ما يدعو للاسف، ذلك أن سياسة حقيقية للاتمركز تشكل وسيلة لاصلاح جريىء. فهي تتطلب مراجعة شاملة للمهام المسندة للادارات المركزية، وإصلاحا ملموسا للوظيفة العمومية وتوزيعا أفضل للوسائل البشرية والمادية على المستوى المركزي والمستويات اللاممركزة. من هنا إذن تبرز ضرورة البدء في تنفيذ ميثاق وطني حقيقي للاتمركز.
الجهوية المتقدمة.. نقلة نوعية في مسار الديم
يشكل ورش الجهوية المتقدمة، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية وترسيخا للإرادة الوطنية للارتقاء بالحكامة الترابية بالمملكة.
وتتمثل الأهداف العامة للجهوية في إيجاد جهات قائمة الذات، قابلة للحياة والاستمرار، مرتكزة على تقسيم جهوي وفق معايير عقلانية وواقعية، وانبثاق مجالس ديمقراطية ذات تمثيلية للنخب المؤهلة، تتوفر على الصلاحيات والموارد اللازمة لرفع تحدي التنمية الجهوية المندمجة.
وفي هذا الصدد، أكد جلالة الملك، في خطابه السامي إلى الأمة بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية (3 يناير 2010)، أن "الجهوية الموسعة المنشودة، ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة".
وحث جلالته الجميع على التحلي بالتعبئة القوية، واستشعار الرهانات الاستراتيجية للورش المصيري للجهوية الموسعة، الذي اعتبره جلالته "محكا لإنجاح الإصلاحات الهيكلية الكبرى، التي نقودها".
+ الجهوية المتقدمة.. مشروع طموح لترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن +
أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس عن ورش الجهوية المتقدمة، باعتباره مشروعا واعدا يروم ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك في خطاب جلالته إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال33 للمسيرة الخضراء (6 نونبر 2008)، حيث أكد جلالته "لذلك قررنا، بعون الله، فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها، بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية".
وقد جرى التأكيد على أن بلورة تصور الجهوية المتقدمة، التي حظيت بترحيب مختلف مكونات المجتمع المغربي، يتعين أن يقوم على مرتكزات أربعة هي التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب، والالتزام بالتضامن المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق في مغرب موحد، واعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات، وانتهاج اللاتمركز الواسع في نطاق حكامة ترابية ناجعة قائمة على التناسق والتفاعل.
+ الأقاليم الجنوبية للمملكة.. في صدارة الجهوية المتقدمة +
أكد جلالة الملك على جعل الأقاليم الجنوبية للمملكة في صدارة الجهوية المتقدمة، مشددا على أن المغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين، أمام عرقلة خصوم الوحدة الترابية للمغرب، للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي، للنزاع المفتعل حول الصحراء ، على أساس مبادرة الحكم الذاتي، الخاصة بالصحراء المغربية.
وقال جلالته "إذ نؤكد أن هذه المبادرة، ذات المصداقية الأممية، تظل مطروحة للتفاوض الجاد، لبلوغ التسوية الواقعية والنهائية، فإننا سنمضي قدما في تجسيد عزمنا القوي، على تمكين أبناء وسكان صحرائنا المغربية الأوفياء، من التدبير الواسع لشؤونهم المحلية، وذلك ضمن جهوية متقدمة، سنتولى تفعيلها، بإرادة سيادية وطنية".
وبذلك، تدعم مقاربة الجهوية المتقدمة انخراط المغرب من أجل إنجاح مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها حلا واقعيا ونهائيا لقضية الصحراء، تحظى بدعم واسع من قبل المجموعة الدولية وتكرس إرادة المملكة من أجل وضع حد لهذا النزاع الذي طال أمده، مع الدفع من ناحية أخرى بالتنمية بمنطقة المغرب العربي.
+ اللجنة الاستشارية للجهوية: عمل دؤوب من أجل إيجاد تصور عام لنموذج مغربي لجهوية متقدمة +
شكل تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في 3 يناير 2010 لحظة قوية في مسار ورش الجهوية المتقدمة، وذلك بالنظر إلى المهام الكبيرة التي أسندت لهذه اللجنة، بإيجاد تصور عام لنموذج مغربي لجهوية متقدمة، قائم على خصوصيات المملكة، وبعيد عن اللجوء للتقليد الحرفي، أو الاستنساخ الشكلي للتجارب الأجنبية.
وبذلك، ستعمل هذه اللجنة على صياغة مشروع مبتكر يساهم في تكريس الحكامة الترابية الجيدة، باعتبارها توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة والنهوض بالتنمية المندمجة، وانبثاقا لدينامية جديدة للإصلاح المؤسسي العميق، وتأكيدا ديمقراطيا للخصوصية المغربية، وورشا حاسما ومحكا لإنجاح الإصلاحات الهيكلية الكبرى.
وقد روعي في اختيار أعضاء هذه اللجنة، غيرتهم الوطنية على المصلحة العامة، وتنوع مشاربهم، وتكامل اختصاصاتهم، وخبرتهم الواسعة بالشأن العام، وبالخصوصيات المحلية لبلدهم.
وتضم اللجنة الاستشارية للجهوية، التي يترأسها السيد عمر عزيمان المشهود له بالكفاءة والخبرة والتجرد والالتزام بروح المسؤولية العالية، 21 عضوا من بينهم ثلاث نساء، يتحلون بالغيرة على المصلحة العامة، وإلمامهم بمختلف جوانب الجهوية والحكامة الترابية، ومن بينهم شخصيات وطنية وأخرى تنتمي لعالم السياسة والتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والاقتصاد والمالية والجبايات والتهيئة الترابية والمواطنة والبعد الثقافي.
وقد تمت دعوتهم إلى انتهاج المقاربة التشاركية الإدماجية، والحرص على الإصغاء والتشاور الواسعين مع الهيئات المعنية، والفاعلين المؤهلين، والانكباب على التحليل المعمق للإشكاليات الحقيقية المطروحة، من خلال نهج مقاربة متجددة ومبتكرة، لتقديم مقترحات عملية وقابلة للتنفيذ.
ومن المؤكد أن انخراط المغرب في ورش الجهوية يشكل دينامية جديدة للإصلاح المؤسساتي بهدف إرساء أسس تنمية مندمجة لكافة مناطق المملكة، سبيله في ذلك العزم الراسخ على تغيير أنماط الحكامة والتنظيم المجالي.