التخطيط الجماعي
في إطار تعزيز الديمقراطية المحلية وبلورة الحريات الفردية وبغية إشراك المواطنين في تدبير الشؤون المحلية، اعتمدت المملكة المغربية منذ السنوات الأولى للاستقلال نهج اللامركزية بالبلاد، واعتبرتها خيارا لا رجعة فيه، وهكذا سجل تطور ملموس فيما يتعلق بالجهاز القانوني والموارد المالية والبشرية على مدى أزيد من نصف قرن وعلى مراحل عدة، سعيا الى تعزيز استقلالية الهيئات المنتخبة في سبيل جعل اللامركزية رافعة حقيقية للتنمية ، فأصبحت الجماعات المحلية ونظرا للاختصاصات الموكولة اليها فضاء مناسبا لممارسة الديمقراطية المحلية وتكوين نخب جديدة تهتم بقضايا وإشكاليات التنمية المحلية، كما أنه ونظرا لنضج سيرورة اللامركزية والدور الاقتصادي المتزايد للمجالات الترابية ، أضحت هذه الوحدة الترابية ملتقى لكل الأعمال التنموية في بعدها الترابي
طرح السؤال ؟
ان الممارسة العملية لتسيير وتدبير الشأن المحلي مسلسل لا يعرف التوقف ، الأمر الذي يتطلب التحديث المستمر لمواكبة المتغيرات الداخلية والخارجية، غير أن ذلك لا يعني نفي المراحل السابقة ، وانما دمج حمولاتها والاستفادة من تجاربها لتفادي تكرار الأخطاء الناجمة عنها، وهكذا فلقد تم بالتدريج وضع اللبنات الأساسية لتطوير اللامركزية وتحسين تسيير وتدبير الشأن المحلي .
فتجربة 1960 كانت ترمي الى وضع النواة الأولى للامركزية ادارية ، جعلت دور الجماعات آنذاك يقتصر على التسيير الإداري ، مما جعلها كفضاء تنموي يصطدم بالعديد من الاكراهات الموضوعية حدث من قدرتها على الفعل .
ولتجاوز هذا الوضع ، تم إصدار الميثاق الجماعي ل 1976 الذي يعد بحق انطلاقة حقيقية للتدخل الاقتصادي للجماعة ، حيث ولأول مرة سيتم اعتبار الجماعة فضاء للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي سنة 1997 تم إحداث القانون المتعلق بالجهات ، وذلك بعد أن تم الارتقاء بالجهة الى جماعة محلية بمقتضى التعديلات الدستورية لسنتي 1992 و 1996 ، فأنيطت بالجهة اختصاصات البث في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بها .
ولإعطاء نفس جديد للامركزية ببلادنا تم إصدار الميثاق الجماعي رقم 00-78 في أكتوبر 2002 والذي تم تعديله بمقتضى القانون رقم 08-17 المغير والمتمم للقانون رقم 00-78 والصادر بالجريدة الرسمية في 23 فبراير 2009 والذي يهدف بالأساس الى مسايرة التحولات وتطوير أساليب التدبير المحلي ، وذلك اعتبارا لكون الجماعات المحلية اليوم أصبحت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتحقيق التنمية المحلية وبتدعيم الاقتصادي الوطني لمواجهة الاكراهات الداخلية والخارجية ، كما أنها لم تعد مطالبة بالانفتاح الداخلي فحسب، بل على المستوى الدولي وذلك لما تفرضه متطلبات العولمة من خلال الدخول في تنافسية إقليمية ودولية .
ان هذا التطور التدريجي الذي عرفه الإطار العام المنظم لتسير الشأن المحلي يرمي بالدرجة الأولى الى خلق المناخ الملائم لتفعيل دور الجماعات المحلية اذ أصبحت تتوفر على اطار قانوني ومؤسساتي ملائم لممارسة كامل صلاحياتها واختصاصاتها وعلى الوسائل الإجرائية لتنفيذ استيراتيجيتها ورؤاها التنموية الخاصة، غير أن واجب الدولة يقتضي دعم هذه الجهود حتى تضطلع الجماعات بمهامها بشكل أفضل ، وبالفعل فقد تجسدت ومن خلال مجموعة من المبادرات الوطنية إرادة السلطة العمومية في تعزيز الحكامة الجيدة لكيانات المركزية بغرض تأهيلها في اتجاه تقديم خدمات تتميز بالجودة لفائدة المواطن ، ومن هذه الزاوية ينخرط مخطط العمل الاستيراتيجي ( أفق 2015 ) بشكل جيد في تحقيق هذه التوجهات ، اذ ستستفيد جماعة الغد من تدخل مهيكل للدولة عبارة عن مخطط استيراتيجي وضعته المديرية العامة للجماعات المحلية مبني على مجالات مترابطة فيما بينها ، يشكل التخطيط أحد ركائزه الرئيسية ، اذ ينبغي للفعل العمومي من أجل استكمال فعاليته أن يندرج ضمن أفق استيراتيجي واضح لا يستثني أيا من مكوناته ، كما يجب أن يسهر على ضمان الانسجام التام بين مختلف المستويات الترابية ، وهو مقاربة تشاورية تسعى الى دفع الفاعلين المحليين الى تحديد أهدافهم التنموية التي يتطلب تنفيذها تعبئة الموارد المحلية أولا ثم موارد الشركاء ثانيا ، فطبقا للمادة 36 من الميثاق الجماعي ، تتضمن عملية بلورة المخطط الجماعي للتنمية أربع مراحل أساسية تتوالى وتتداخل فيما بينها ، تبتدئ بمرحلة الإعداد والانطلاقة ، ثم مرحلة تحديد الحالة الراهنة والتشخيص فمرحلة التخطيط والانسجام وأخيرا مرحلة تقديم النتائج للفاعلين والمصادقة على المخطط الجماعي للتنمية من طرف المجلس الجماعي .
وخلاصة القول، يمكن القول أن الفترة الانتدابية ( 2009-2015) تشكل محطة مهمة وواعدة في تحقيق الأهداف المنشودة اعتبارات للاصطلاحات الجوهرية التي عرفها كل من الإطار العام المنظم للجماعات المحلية وقانون المالية المحلية والقانون الخاص بحبايات الجماعات المحلية والرامية الى خلق المناخ الملائم لتفعيل دور الجماعات المحلية لتأمين الخدمات الإدارية بعيدا عن الزبونية والضغوطات وتوفير الحد الأدنى من التجهيزات والبنيات الأساسية وربطها بالمواصلات والماء والكهرباء والطرق لخلق المناطق الصناعية ، وفك العزلة عن العالم القروي وتشجيع سياسة وثقافة الانفتاح والبحث عن شراكات وعقد تعاون وتبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية وجعل الجماعات المحلية كمرافق عمومية في خدمة المواطن وتحديث أساليب العمل الإداري وربط جسور الثقة بين المواطن والإدارة وإلزامها بالمفهوم الجديد للسلطة والجماعة المواطنة عبر نهج سياسة أكثر مواطنة لتطوير وتخليق العمل الجماعي وعموما الارتقاء، بالجماعة من مرفق إداري تقليدي إلى مرفق تنموي جاذب للاستثمار، في خدمة المواطنات والمواطنين من تسيير إداري بيروقراطي وضعيف في التدبير المالي الى حكامة جيدة مع تخليق التدبير الجماعي، من جماعة منطوية ومنعزلة الى جماعة منفتحة ومتكاملة مع الجهة ومع الإدارات اللاممركزة، وهذا ما أشار إليه صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2008 عندما قال أن الجماعات المحلية تعتبر " القاعدة الأساسية للديمقراطية والمجال الخصب لتفاعلها الايجابي مع التنمية " .
A découvrir aussi
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 2 autres membres