من أجل تدبير محلي تشاركي ومسؤول
انطلاقا من التصور النظري الحديث للتدبير المحلي المنطلق أساسا من السعي لإشراك مكونات المجتمع المحلي في القرار بما يحمله هذا المجتمع من عمق واتساع وتعدد، وفق مقاربة تشاركية تعتمد نبذ البيروقراطية وتجاوز الإتكالية، وتقوم على الأخذ والعطاء في إطار تصورنا النابع من وجوب تحقيق التراكمات في الإنجازات التي تعتبر هي الوحيدة الكفيلة بضمان النهوض الشامل في الوضع المحلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
إن مفهومنا هذا لإدارة الشأن المحلي ينطلق من العمل بشراكة مع المجتمع المدني، والقطاع الخاص والدولة، لتعميق الثقة بين كل هؤلاء الفاعلين في الحقل المحلي، ولضمان الإسهام الفعال لكل هذه المكونات في النهوض بالشأن المحلي على الوجه الأكمل. وفي كل هذا يتحول في منظورنا المواطن إلى فاعل أساسي وشريك في السياسة المتبعة.
إن الصلاحيات التي يتضمنها الميثاق الجماعي وخص بها المجالس الجماعية، تعتبر عنصرا جد مساعد على تفعيل تصورنا هذا، كما يسير في نفس الاتجاه تكريس الميثاق لاختصاص المجالس في إقرار مخطط التنمية الإقتصادية والإجتماعية بما يعنيه ذلك من تحفيز وإنعاش وتنمية الاقتصاد المحلي والتشغيل، وكذا إحداث المرافق والتجهيزات العمومية وضمان الوقاية الصحية والنظافة وحماية البيئة وإنجاز وصيانة وتدبير التجهيزات الإجتماعية والثقافية والرياضية . . .
وكي يكون محتوى السياسة المحلية في خدمة ساكنة الجماعة ومؤسساتها، نقترح أن يتجسد العمل بشراكة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص من خلال عرض البرنامج الجماعي، قبل التصويت عليه، على هذين المكونين كي يكون ثمرة مشتركة لعمل جماعي، وحتى يكتسب قيمة مضافة بتحوله إلى برنامج نابع من انشغالات المجتمع المحلي، مما سيضمن له حتما حسن التنفيذ.
كما أننا نؤكد على أن فتح الحوار مع مختلف مكونات النسيج الجماعي خلال جميع مراحل تنفيذ المخطط الجماعي، من أجل التقييم قبل الإنتهاء من التنفيذ والتقويم قبل فوات الأوان، حتى يتم الإرتقاء بالمخطط إلى تحقيق كل أهدافه، هذا ما نعتبره من الأسس التي نراهن عليها لاستعادة مصداقية العمل الجماعي وضمان إعادة الثقة بالنسبة للمواطنين الذين يعتبر التجاوب مع حاجياتهم من الأهداف الأساسية للعمل الجماعي، الذي يجب أن ينطلق من تعاقد اجتماعي واضح المنطلقات والغايات.
إن طموحنا هو أن نصل إلى تدبير تشاركي مسؤول. ولهذا، لا يمكن الاستمرار في تدبير الجماعات المحلية بشكل بيروقراطي وبانفصال تام عن القطاع الخاص والمجتمع المدني. لكننا نعي أن هذا التحدي ليس سهلا، ولهذا يجب العمل من أجل النهوض بآلية اتخاذ القرار المحلي والإقناع بأن التدبير التشاركي ممكن وأن فعاليته ثابتة. إن تجاوز مظاهر القطيعة هنا أو هناك بين المنتخبين المحليين والمؤسسات المحلية مدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية يحتاج لكثير من الإقناع. . .
ومن الأعمدة الرئيسة التي يقوم عليها التدبير التشاركي المسؤول، هناك أولا الشفافية في التسيير والتدبير، وثانية المحاسبة عند المتابعة والتقييم.
ففي ما يتعلق بالشفافية، نقترح أن تعمل كل الجماعات على عقد لقاءات مفتوحة بشكل منتظم في المدن والقرى على السواء، وإحداث موقع على الأنترنيت لتنشر عليه مشاريع ميزانياتها وحساباتها وفرص الشغل التي توفرها الجماعة وكذا الصفقات التي تبرمها، ثم مجموع ما يشكل برنامجها، وكذا آراء المعارضة داخل المجلس وأنشطتها. وبالإضافة إلى الأنترنيت، نقترح إحداث المجلس لمجلة خاصة به توزع على سكان الجماعة لإطلاعهم على ما تم ذكره، ناهيك عن نشر نفس المضامين في سبورات تعلق في أمكنة عمومية معروفة ويتم التعريف بها رسميا في مجموع تراب الجماعة، مثلما نقترح تقوية بنيات الإستقبال والتواصل بجميع مستوياتها.
أما ما يتعلق بالمحاسبة، فلا يمكن التساهل مع كل الذين يثبت عليهم التلاعب بالمال العام، وعلى المسؤولين الجماعيين أن يكونوا أول المدافعين عن حماية المال العام، مع وجوب فتح المجال للمجتمع المدني ليلعب دوره التخليقي كممثل للضمير الحي لملاحظة الخروقات وتقديمها للسلطات المختصة والرأي العام المحلي.
وإذا كنا نعتبر الانفتاح المتفاعل مع محيط الجماعات المحلية المنتخبة مكونا جوهريا لتصورنا، فإننا نشدد على ضرورة مراعاة التعدد الخصب الذي تحفل به كل جماعة على حدة، وهذا يعني بالضرورة عدم الرضوخ لكل الضغوطات ذات المطالب غير القانونية، وألا يتحول الانفتاح وسيلة لتعميم التساهل في إعمال القانون والتفريط في فرص التصحيح، بل يجب تعبئة كل المؤهلين للفعل من أجل التنمية المحلية، وذلك بتأهيل النسيج المحلي للمشاركة في القرار. وإن هذا التعدد المدني والاقتصادي والاجتماعي يجب أن يترجم في السياسة الجماعية المقترحة حتى تتحقق التنمية المتوازنة القائمة على المساواة في الفرص.
ومع تصورنا المبدئي هذا، فإننا نعي أن رصد التعدد على مستوى جماعة معينة من أعقد ما يمكن تصوره. ولهذا فإن القناعة بالعمل بشراكة مع كل مكونات المجتمع المحلي واعتماد الحوار ونهج سياسة الأبواب المفتوحة، تعد أسس لتفجير الطاقات وتجميع روافد القوة وترجمتها في برامج وقرارات حاسمة ومؤسسة للنهضة المأمولة.
ولكي تتمكن الجماعة من أداء دورها، لابد من تفعيل كل اختصاصاتها وممارستها بروح إبداعية خلاقة. وهذا يتطلب أيضا تأهيل الموارد البشرية وتنظيم الاقتصاد المحلي وتنمية الموارد بعدالة وفعالية وشفافية. وفي ما يرتبط بالتدبير المالي، خصوصا باعتبار ما يؤسس له من ثقة أو شك في العلاقة بين المؤسسات المنتخبة والمواطنين، ومن إثبات للفعالية أو عدمها، فإننا نقترح تدبيرا فعالا لجميع الموارد والإستثمارات والممتلكات لضمان مداخل مرتفعة وخسارة أقل، بهدف التمكن من تمويل جميع البرامج والأوراش التي يتم الإعلان عنها.
وإن الجماعة المحلية باعتبارها وليدة اللامركزية كفلسفة لتدبير الشأن العام، فلا يمكنها إلا أن تعمق نفس المبدأ بعمل لاممركز على مستوى بعض الخدمات التي يجب أن تكون قريبة من السكان في مختلف الأحياء. وبما أن الجماعة مسؤولة - في مفهومنا للتدبير - عن تنظيم علاقتها بالقطاع الخاص، فإن تفويض الكثير من اختصاصتها سيجعلها تقوم بدورها الطبيعي كمراقب فعال للكثير من الخدمات عوض ما هي عليه في أغلب الأحيان، باعتبارها منتج لأغلبها (الخدمات). وإن التدبير المفوض يجب أن لا يتحول إلى تفويت مطلق، وعلى الجماعة أن تحافظ على دورها في مراقبة جودة الخدمات وتطور القطاعات المفوضة وبلوغها للأهداف التي كانت وراء التفويض.
وبما أن المجلس الجماعي مختص في النهوض الإجتماعي، فإن تصورنا للسياسة المحلية يقوم أيضا على إشراك المرأة في القرار وتكريس مساواتها بالرجل وخصوصا النهوض بقيمة المساواة في الأوساط الإجتماعية، وأيضا النهوض في مستوى آخر بحقوق الطفل وحماية الفئات الهشة ومحاربة الفقر. ونظرا للدور التأطيري المفروض على الجماعات المحلية، كدور دستوري، فإننا نقترح أن تقوم الجماعات بإعمال برامج للتربية على المواطنة بجميع تجلياتها.
وإننا نقترح أيضا أن يتم اعتماد مفهوم جديد لتقييم جودة الخدمات الجماعية، وفق معايير واضحة تعتمد أساسا (feed back) ، مع اللجوء إلى مؤسسات استطلاع الرأي من أجل الرصد الدقيق لانتظارات المواطنين وتطلعاتهم.
وهكذا، فإننا نراهن على تدبير محلي مع المواطنين من أجل المواطنين بهدف تعميق المصداقية والكفاءة في تسيير الشأن العام، والوصول إلى تكريس الثقة بين المواطنين والمؤسسات المنتخبة.
ونظرا لما يوفره التعاون الدولي بين الجماعات المحلية من فرص للتنمية، فإننا نعتبر استغلال هذا المحور سيساعد على تجميع فرص التنمية المتاحة. وإذ نؤكد أهمية هذا التوجه وما يوفره من إمكانيات لتعميق قيم الصداقة والتعاون بين الدول والشعوب، فإننا نعتبره رافدا له أهميته القصوى في إطار النهضة المحلية المأمولة
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 2 autres membres