Formations Divers

Formations Divers

جماعات محلية


الالتقائية في الحكامة المحلية الجديدة

تقديم

قطع المغرب اشواطا مهمة في ترسيخ اللامركزية منذ السنوات الاولى للاستقلال , وبهدف تعميق مسلسل اللامركزية والتنمية البشرية المحلية , تم اعتماد ميثاق جماعي جديد سنة 2002 , يتضمن مقتضيات ترمي على الخصوص الى تعزيز الاستقلالية المعنوية والمالية , وتحسين وضعية المنتخب وشفافية تدبير الشان العام المحلي , وتوضيح اختصاصات المجالس المنتخبة .
كما تهدف هذه المقتضيات الى تخفيف جهاز الوصاية , باعتماد مراقبة بعدية (قضائية) , وتقليص الاجال والاعمال والقرارات الخاضعة للموافقة , وتفويض سلطة الوصاية وتعليل اجراءاتها .
غير انه لابد من الاشارة الى ان هذه التجربة الطويلة وهذه المحاولات الرامية الى تعزيز دينامية الحكامة الترابية , لم تحققا دائما النتائج المرتقبة ; فالانحرافات ظلت تشوب المسلسلات الانتخابية , وما يطبع التحالفات الحزبية المحلية من ظرفية وانعدام استقرار, وتفاوت التكوين لدى المنتخبين , وسوء التدبير, والتقطيع الترابي , الذي ليس دائما مرضيا , وكلها عوامل اضرت بالتنمية البشرية في العديد من الجماعات القروية والحضرية في الوقت الذي ينسف عجز اللاتمركز إمكانيات الحكامة الترابية الفعالة والمنسجمة , وان كانت تشهد (الحكامة) نقائص كبيرة على المستويين الاداري المركزي واللامركزي . (1)
من هنا كان ظهور مفهوم الالتقائية في الوقت الحالي ضرورة ملحة لتفعيل وتطبيق هذا المفهوم عند تسييرالشان العام المحلي , وحل انجع يكمن في فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نفسها وفي الثقافة الجديدة التي ارست دعائمها ; والمثمثلة في اعطاء الاولوية للمبارات المحلية عن طريق تمكين المسؤولين عن المصالح والادارات المحلية من سلطة اتخاذ القرارات الملائمة والمنسجمة مع برامج قطاعاتهم وبرامج المبادرة. وكذا وضع برامج متعددة السنوات يمكن اعتبارها نموذجا لتطبيق التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة , والتي تؤكد على ضرورة العمل على التقائية تنفيذ السياسات الحكومية مع برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .

هكذا شكل خطاب الملكي المؤرخ في 18 ماي 2005 الاساس والمبدا لظهور مفهوم الالتقائية ببلادنا , والذي يقول فيه نصره الله : " فاننا نعتبر ان التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق الا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل , وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الابعاد السياسية والاجتماعية , والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية".
اذن يمكن القول , ان المرحلة التي نعيشها اليوم تتطلب اسلوبا جديدا في تدبير الشان الاجتماعي , يتمثل في العمل على تحقيق الالتقائية والتنسيق بين البرامج والتدخلات العمومية , خاصة في المناطق الفقيرة الأقل حظوة والمستهدفة .

ولا يخفى علينا الفائدة التي يكتسيها هذا التوجه والاهمية الكبيرة التي يحظى بها هذا المفهوم في تطوير العمل الاجتماعي بالبلاد , اذ يعمل على ربط سياسة اللامركزية باللاتمركز ويمثن تلازمهما باشراك الانسان كراس مدبرة مسيرة ومستفيدة في مسلسل التقرير الوطني والمحلي , من خلال مزاوجة الحكم التمثيليgouvernement représentatif بالحكامة التشاركية gouvernance participative التي لن تتاتى الا بتبني ثقافة تضامن الجماعات المحلية فيما بينها . (1)
ولعدم وجود تعريف محدد لمفهوم الالتقائية نظرا لانيته , فيمكن ان نعرفه ب : " تقنية تتوخى ربط علاقة بين عدة مراكز لاتخاذ القرار( مصالح خارجية – جماعات محلية – مجتمع مدني..الخ) , والتي تتدخل في مجال متطابق في أفق تطوير جودة العمل التنموي المشترك من خلال المشاريع والبرامج المنجزة والمرتقب انجازهاعلى المستويين المحلي والوطني بغية الخروج بمشروع واحد , مندمج ومنسجم وذو نتائج ايجابية " .

ذلك ان الغاية من الالتقائية خلق تناسق تام فيما بين المشاريع القطاعية والمحلية وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية انطلاقا من حاجيات الساكنة.
فالى أي حد يمكن اعتبار الالتقائية لبنة من لبنات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , و حلا اكيدا في نجاح المشاريع التنموية البشرية على المستويين المركزي واللامركزي ببلادنا ؟

المحور الأول: الالتقائية من خلال نظامي اللامركزية واللاتمركز

تعتبر التنمية المحلية ميدان تتقاسمه وبنسب متفاوتة الوحدات اللامركزية والهيئات الغير الممركزة , فهي مجال لتدخل كل من الدولة والجماعات المحلية كل حسب إمكانياته والنطاق الجغرافي والقانوني المسموح له بالتحرك داخله , كما هي اختصاص تشاركي يسهم في النهوض به عدة فاعلين , حيث لايمكن الفصل بسهولة داخل الفضاء المحلي بين ما يعد من مسؤوليات الدولة وبين ما يعود إلى اختصاصات الجماعات المحلية . (1)
هذا التداخل في الاختصاصات ترتب عنه تعددية في المبادرات الغير المنسجمة , نتج عنها تبذير غير ذي فائدة , وجملة من الآثار السلبية التي حالت دون تحقيق التنمية المنشوذة , وتطبيق الحكامة المحلية الجديدة , والسبب في ذلك راجع لعدم تنسيق المجهودات العمومية المحلية المبذولة كي يتم تحقيق تنمية مندمجة ومتناغمة , بالرغم من كون أن اللامركزية لايمكن قيامها إلا في كنف المركزية تطبيقا لمبدأ تقريب الإدارة من المواطنين. (2)

أولا : الإطار القانوني والمؤسساتي للاتمركز الإداري
تطبيقا لسياسة تقريب الإدارة من المواطنين وتبسيطا للإجراءات الإدارية , مكن المشرع المغربي بمقتضى مرسوم 20 أكتوبر 1993, بشان اللاتركيز الإداري الحكومة من صلاحية تشكيل لجنة دائمة للسهر على تنسيق المجهودات الحكومية بين المصالح الخارجية في تنفيذ السياسة العامة للدولة , أطلق عليها اسم " اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري" , كما يلبي دور هذا التنسيق جهاز " اللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم " المؤطرة بمقتضى ظهير 15 فبراير 1977 الخاص بسن اختصاصات العمال الذي يتربع على رأسها العامل الذي يعتبر المنسق العام لسياسة عدم التركيز الإداري . (3)
وتقوم اللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم بمهمة دراسة جميع التدابير المتعلقة باللاتركيز الإداري , لا سيما منها إحداث المصالح الغير الممركزة اللازمة لتلبية حاجات المرتفقين لدى العمالة او الإقليم واقتراحها على اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري .

إن إحداث اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري لم يتعدى صفحات المرسوم المؤطر لها , فبقيت عبارة عن لجنة لاتشد عن القاعدة المغربية التي تقضي بإنشاء مؤسسات تهدف إلى تزيين الواجهة القانونية والمؤسساتية ببلادنا أكثر مما تهدف إلى تحقيق الأغراض التي من اجلها أحدثت .
لهذا جاءت توصية صادرة عن المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية التي كان شعارها "عدم التركيز الإداري لازمة اللامركزية" , والتي توصي بتفعيل دور هاته اللجنة وتفعيل آلياتها حتى تقوم بدور الضبط لسياسة عدم التركيز الإداري وضمان عدم اصطدامها بتوجهات الهيئات اللامركزية , فيسهل بعد ذلك نقل الاختصاصات المفوضة لمصالح عدم التركيز الإداري إلى الهيئات اللامركزية المحلية في حالة ما إذا لم تبني نظام لامركزي متقدم وموسع . (1)
كان هذا ما يتعلق بالإطار القانوني , أما الاطارالمؤسساتي لهذه السياسة فانه يتجلى في مؤسسة العامل باعتباره سلطة رئاسية لامركزية بالنسبة لرجال السلطة في إقليمه , وممثلا لجلالة الملك ومندوبا للحكومة في الإقليم , هذه الازدواجية الوظيفية جعلت العامل محركا لسياسة عدم التركيز , وفاعلا أساسيا في منظومة اللامركزية والتنمية المحلية .
و طبقا للفصل 102 من دستور 1996 :
" يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات , ويسهرون على تنفيذ القوانين وهم مسئولون على تطبيق قرارات الحكومة , كما أنهم مسئولون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية ".
إن هذه المسؤولية الجديدة التي خولت للعامل بمقتضى الدستور سمحت له بان يكون صاحب القرار الإداري المحلي الوحيد , وهو ما يعتبر مكسبا للإدارة الترابية والديمقراطية المحلية , عكس مايراه بعض المنتخبين وأحزابهم السياسية بان توسيع صلاحيات العامل تعتبر بمثابة إشارة عن تراجع سياسة اللامركزية , ليبقى الدورالاساسي للعامل متمثلا في إحداث تناغم بين جميع المتدخلين على الصعيد المحلي . (2)

ثانيا : الإطار القانوني للامركزية الإدارية وتجليات الحكامة المحلية
منذ السنوات الأولى للاستقلال انصب التفكير حول إيجاد صيغة لتنظيم إداري يستجيب للاكراهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , ولهذا الغرض تم إصدار ميثاق جماعي في 23 يونيو 1960 يتضمن توجيهات عامة كخطوة أولى في إطار النهوض بالتنظيم المحلي , غير انه لم يقم بدور يذكر في هذا المجال , لكونه لم يعطي اختصاصات مهمة للمجالس المنتخبة .
في المقابل وسع صلاحيات ممثلي السلطة المركزية , مما جعل هذه المجالس بعيدة كل البعد عن الممارسة الفعلية لتدبير الشأن المحلي , إضافة إلى تكريس وصاية مالية وإدارية للتضييق من هامش المبادرة المعترف بها للجماعات المحلية الحضرية والقروية . (1)
بعد ذلك تم وضع قانون لتنظيم العمالات والأقاليم بمقتضى ظهير 12 شتنبر 1963 الذي جعل العمالات والأقاليم بمثابة وسيط بين السلطة المركزية والجماعات المحلية لتكملة وتطوير اللامركزية , كما شكلت أهم التقسيمات الإدارية التي عرفتها البلاد خلال تلك الفترة طفرة نوعية سعت من خلالها إلى مراقبة وتاطير المجتمع لفرض سلطاتها الإدارية والسياسية على مجموع التراب الوطني , وكذلك لتجاوز الازدواجية المتمثلة في (المغرب النافع) و(المغرب غير النافع) , خاصة وان المدن الساحلية - محور الدار البيضاء , القنيطرة تستحوذ على أهم الأنشطة الاقتصادية في محاولة لتحقيق تنمية محلية تشمل مجموع التراب الوطني .
فانصب الاهتمام على الجهة كإطار أصلح لدمج كافة المؤهلات والإمكانيات المتوفرة من خلال ظهير 16 يونيو 1971, غير أن الممارسة قد أبانت عن وجود عدة اختلالات حالت دون تشجيع الأنشطة الاقتصادية والخدمات العمومية الضرورية للمواطنين .
هكذا تم إصدار ميثاق جماعي آخر بمقتضى ظهير 30 شتنبر 1976 الذي أعاد الاعتبار للجماعة المحلية كإطار للتنمية الاقتصادية والاجتماعية , مشكلة بذلك قفزة نوعية لوضع النواة الأولى لإدارة اقتصادية واجتماعية محلية , ليتم في 02 ابريل 1997 إحداث قانون متعلق بالتنظيم الجهوي قانون رقم 47/96 بعد أن تم الارتقاء بالجهة إلى جماعة محلية بمقتضى التعديلات الدستورية لسنتي 1992و 1996, حيث انيطت بالجهة اختصاصات واسعة للبث في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بها .

وبما أن السياسة المتبعة في تدبير الشأن المحلي أثبتت قصورها عن بلوغ النتائج المتوخاة منها , اصدر المشرع المغربي قانونين جديدين قانون رقم 78-00المتعلق بالتنظيم الجماعي والقانون رقم 79-00 المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم . (1)

قانونين رسم من خلالهما المشرع المغربي صورة متقدمة للإدارة المحلية اللامركزية , المنتظر أن تحدث تغييرات نوعية في تدبير الشأن المحلي وتحقيق الحكامة الجيدة , خاصة وان بلادنا تستعد للموعد الدستوري سنة 2009 لإجراء انتخابات جماعية من اجل تجديد المجالس المنتخبة (الجماعية - الإقليمية - الجهوية) .
ونظرا لما تحضى به الجهة من أهمية ببلادنا , فان دورها لم يعد يقتصر على الوظائف السياسية والإدارية , بل تعداه ليشمل جميع جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , وهي ظروف ملائمة ومساعدة على خلق جهوية متدرجة ومتقدمة . (2)

ونظرا كذلك لما للجهة من دور كبير في إنعاش الاستثمارات , حيث تم تبني في هذا الإطار سياسة جديدة لتدبير الاستثمارات كمؤشر عن تجاوز الأسباب الكامنة وراء تعثر السياسات الاقتصادية وتقليص حجم الاستثمارات , ويتعلق الأمر بالمراكز الجهوية للاستثمار , كما تم إحداث المجالس الجهوية للحسابات بهدف تحسين أساليب الرقابة العليا على تدبير مالية الجماعات المحلية بهدف تجاوز العراقيل التي تحول دون تحقيق التدبير الجيد للشأن العام المحلي .
كما حرص التنظيم الإقليمي وكذلك الجماعي على إعطاء دلالة جديدة للامركزية المحلية تتجه نحو تحسين وتطوير وظيفة العمالة والإقليم كوحدة تمارس فيها المصالح الخارجية اختصاصاتها , وتطوير كذلك وظيفة الجماعة وخلق نظام حكماتي جديد يستدعي إشراك فاعلين جدد في التدبير , رغبة في تحويل الجماعة إلى مقاولة ترتكز على مبادئ تحديد الأهداف وترسيخ قيم الشفافية والمحاسبة . (3)

ثالثا : محدودية اللامركزية في ظل التبعية والارتباط بالسلطة
رغبة في تدعيم اللامركزية المحلية منح المشرع المغربي المجالس المحلية صلاحيات هامة , وحملها أعباء تنموية عديدة اقتصادية واجتماعية وثقافية . غير أن نجاح اللامركزية لايتوقف فقط على حجم المهام الممنوحة للمجالس والمسؤولية المنوطة بها , بل إن هذا النجاح يتوقف بالأساس على نطاق الوسائل المادية والبشرية المرصودة للجماعات المحلية .
فالاستقلال المالي المعلن عنه من قبل المشرع لايعكسه واقع الجماعات المحلية فحسب , فمن جهة موارد الجماعات ترتبط بالدولة في جزء كبير منها , ومن جهة ثانية فان الموارد الخاصة بتاطير الجماعات المحلية تظل دون المستوى المطلوب . اظافة إلى أن المستوى الثقافي للمنتخب وضعف تكوينه قد ينعكس سلبا على مصير اللامركزية والديمقراطية المحلية نفسها . وان كانت الجماعات المحلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري , فهذا لاينفي تبعيتها للدولة نتيجة التشدد في رقابة المجالس ونتيجة ضعف مواردها .
هذا بالاظافة إلى سياسة التقسيم المعمول بها منذ الاستقلال التي لم تعمل في حقيقة الأمر إلا على تكريس هذه التبعية , وذلك من خلال خلق وحدات محلية ضعيفة الإمكانيات تعتمد بشكل واسع على مساعدات وإعانات الدولة للقيام بمهامها , زيادة على تدخل السلطة المركزية والتوسع في رقابتها . وهنا تطرح مسالة أخذ القرارات التي تصاغ دائما بطريقة فوقية , أي من الأعلى إلى الأسفل . (1)


المحور الثاني : الالتقائية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية
"[...]إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست مشروعا مرحليا , ولا برنامجا ظرفيا عابرا, وإنما هي ورش مفتوح باستمرار. [...]
إن المبادرة التي نطلقها اليوم , ينبغي [...] أن تعتمد سياسة خلاقة , تجمع بين الطموح والواقعية والفعالية , مجسدة في برامج عملية مضبوطة ومندمجة . " [...] (2)

إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها في الخطاب الملكي المؤرخ في 18 ماي 2005 , بالإمكان اعتبارها حدثا مجتمعيا له أكثر من معنى إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي . فعلى المستوى السياسي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أصبحت البرنامج السياسي الرسمي المطلوب من الفاعل السياسي أن يتعامل معه بايجابية , لأنه يشكل سلم الاهتمام بإشكالات المعضلة الاجتماعية بالمغرب والمتمثلة في النسب المئوية التالية :
الفقر % 14.2 , الإقصاء %11 , الهشاشة % 17.02 , الأمية %42.7 , والإعاقة %7. (1)
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي , فان السياسات العمومية المعتمدة اتسمت بالمحدودية وبتعدد الفاعلين العموميين خاصة في المجال الاجتماعي , وبتعدد أشكال التدخل والدعم , مما أفضى إلى محدودية في النتائج وهدر في الطاقات والموارد , وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى انعدام الانسجام والتكامل فيما بين البرامج التنموية , ويدعو على الخصوص إلى تفعيل مبدأ الالتقائية وانجاز عملية التقسيم المرحلي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية , وتعزيز إستراتيجية القرب وتنفيذ مخططات للتكوين وتقوية القدرات , والاستمرار في تنفيذ المشاريع المبرمجة كما هي مقررة وفق مخطط عمل 2008 .

أولا : أسس المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
لقد جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كرهان للتأهيل المجتمعي على أساس مرجعي مفاده أن الإنسان هو أثمن رأسمال في التنمية . ومادام الإنسان هو محور تركيز جهود التنمية , فانه ينبغي توجيه هذه الجهود لتوسيع نطاق خياراته في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , فتتعزز خياراته حينما يكتسب الناس القدرات وتتاح لهم الفرص لاستخدامها... (2).

كما وقد جاءت المبادرة كحل عملي متكامل للمعضلة الاجتماعية تقوم على مجموعة من المرتكزات تؤطر للاليات والهياكل الداعمة لتحسين مؤشر التنمية البشرية بالمغرب الذي لا يزال يحتل المراتب الدنيا في مختلف التقارير المتعلقة بالتنمية البشرية , الا ان تعاطيه مع هذه المؤشرات يدفع في مرحلة اولى الى استحضار الاهداف العامة للمبادرة مع اعتماد اربعة برامج اجتماعية محضة .

يتمثل التوجه العام للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في العناصر التالية :(1)
- تقوية دولة الحق والقانون
- عصرنة الاقتصاد و الإدارة
- إنعاش حق المرأة والطفل والفئات الهشة
- تقسيم ترابي متماسك
- تنمية البنيات التحتية

هذه العناصر وغيرها تشكل المحاور الفرعية للمبادرة التي تستند على مرتكزين اثنين هما :
-1التصدي للعجز الاجتماعي الذي تعرفه الجماعات القروية المهمشة والجماعات الحضرية الفقيرة , عن طريق توسيع استفادتها من المرافق والخدمات والتجهيزات الاجتماعية .
-2تشجيع الأنشطة المدرة للدخل والمتيحة لفرص الشغل .

أما برامج المبادرة فتتجلى في :
أ‌- برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي
يستهدف هذا البرنامج 360 جماعة قروية من ضمن الجماعات الأكثر فقرا في المغرب . ومن اهدافه خلق الانسجام بين البرامج القطاعية وبرامج التنمية القروية المندمجة , تقوية الحكامة والقدرات المحلية , دعم الولوج إلى التجهيزات الاجتماعية والصحية والتربوية الأساسية بمعنى الاستفادة من الماء الصالح للشرب والكهرباء والتجهيزات الأساسية , ثم الرفع من نسبة الخدمات الصحية خاصة فيما يتعلق بصحة الأم والطفل .

ب‌- برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي في المجال الحضري
يستهدف 250 حيا على مستوى العمالات والأقاليم أي 15 مليون ساكن في المدن التي يفوق عدد سكانها 100.000 نسمة , و يتوخى تقليص نسبة الإقصاء الاجتماعي , وإعادة الإدماج والتلاحم الاجتماعيين . كما يستهدف في المجال الحضري الأحياء وضواحي المدن الكبرى التي تستفحل فيها ظواهر الإقصاء الاجتماعي بشكل خطير(البطالة – الانحراف – صعوبة الولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية - انعدام البنيات والتجهيزات الحضرية) .

ج- برنامج محاربة الهشاشة والتهميش
يتوخى برنامج محاربة الهشاشة والتهميش , الاهتمام بالأشخاص المهمشين والموجودين في حالة صعبة كشباب دون مأوى وأطفال الشوارع المتخلى عنهم , والمختلون عقليا بدون مأوى والمعاقون بدون مورد...الخ .
يرمي هذا البرنامج إلى :(1)
* توفير ظروف إعادة الإدماج العائلي والاجتماعي للأشخاص المعنيين .
* تحسين جودة الخدمات المقدمة حاليا من قبل الجمعيات والهيئات العمومية , وذلك لتوفير مواصفات الجودة التي تضمن شروط الحفاظ على الكرامة الإنسانية .
* إحداث قدرات إضافية لاستقبال الأشخاص المعنيين في المناطق ذات الخصاص .


د- البرنامج الأفقي للمبادرة  :
هو برنامج وطني , لدعم العمليات ذات الوقع الكبير على التنمية البشرية على صعيد كافة الجماعات القروية والحضرية غير المستهدفة , وذلك من خلال اقتراح مشاريع على مستوى العمالات والأقاليم .
و يهدف البرنامج إلى تمويل : (2)
* المشاريع ذات الوقع الكبير على التنمية البشرية , خاصة بالنسبة للجماعات القروية والمراكز الصغرى والأحياء الفقيرة والغير مستهدفة , وذلك حسب مسطرة طلب مشاريع على المستوى الإقليمي , مفتوحة لفائدة الجماعات المحلية والنقابات والغرف المهنية والجمعيات وباقي المجموعات الفاعلة في مجال التنمية البشرية وكذا التعاونيات...الخ .
ثانيا : مرتكزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
يمكن تحديد المرتكزات في اربع معطيات أساسية تروم الأولى : العمل على تشخيص الإشكالية الاجتماعية , والمرتكز الثاني : يهدف إلى تبني سياسة عمومية مندمجة تتصف بالشمولية والتكامل , تم المرتكز الثالث : فينبني على معطى التعبئة الاجتماعية , أما المرتكز الرابع والاهم فيعتمد مفاهيم جديدة تجد اصطلاحها في نظام الحكامة المحلية الجديد .

ولأجل السهر على تطبيق برامج ومخططات المبادرة , رصدت العديد من الآليات والأجهزة التي تعتمد على مبادئ المجالية واللامركزية والاندماج والمشاركة , بالإضافة إلى تعبئة الموارد المالية الضرورية الكفيلة بانجاز البرامج والمشاريع المسطرة .

وتتوزع هذه الاجهزة بين ماهو مركزي يتجلى في اجهزة الحكامة المركزية المتمثلة في اللجنة الاستراتيجية للتنمية البشرية , ولجنة قيادة المبادرة وكلتاهما تقومان بكل ما يتعلق بتحديد الاطار المالي والتواصل المؤسساتي .
وبين كذلك ماهو لامركزي يتجلى في : اولا- لجنة جهوية للتنمية البشرية برئاسة الوالي , وتقوم بالعمل على خلق تكامل بين برامج الدولة والمؤسسات العمومية , تانيا - لجنة اقليمية للتنمية البشرية برئاسة العامل وتقوم بتنسيق الانشطة المشتركة التي تهم عدد من الجماعات القروية , ثم ثالثا - لجنة محلية للتنمية البشرية تضم ممثلي ومنتخبي الجماعات والمقاطعات الحضرية , تقوم بالتنفيذ العملي للمشاريع والاعمال المعتمدة على المستوى المحلي .

فالمرصد الوطني للتنمية البشرية الذي يضم الادارات العمومية , المجتمع المدني وممثلون عن البرلمان , ومن مهامه انجاز البحوث والدراسات الميدانية حول قضايا الفقر والهشاشة والاقصاء.

وبالنسبة للمرتكزات المالية فانها تتجلى في الاعتمادات المالية الكافية من الميزانية العامة للدولة قدرت في غلاف مالي يفوق 10 ملايين درهم , لمواجهة الحاجيات الملحة خلال الفترة الممتدة من 2006-2010 مع توقع ارتفاع تدريجي يبدأ ب 1.5 مليار درهم خلال سنة 2006 على أن يصل إلى 2.5 مليار سنة 2010.
وسوف يتم اعتماد هذا المبلغ من الميزانية العامة للدولة في حدود %60 , ومساهمات الجماعات المحلية في حدود % 20, ومن خلال التعاون الدولي في حدود 20 في المائة .

ثم سيتم تقسيم هذا المبلغ المالي إلى أربعة أقسام متساوية 2.5 مليار درهم ستخصص على مدى الخمس سنوات القادمة لتاطير كل برنامج من برامج المبادرة على حدة (البرنامج القروي - البرنامج الحضري - برنامج محاربة التهميش والبرنامج الأفقي ) أي 10 مليارات درهما على مدى خمس سنوات .

ولضمان الشفافية والمراقبة فيما يتعلق بقنوات النفقات , سيتم تنظيم عمليات افتحاص مشتركة مابين المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية , فضلا عن إمكانية اللجوء إلى القطاع الخاص للقيام بهذه العملية .
ولكي تتم عملية اجراة ميزانية المبادرة بشكل فعال , تم الاعتماد على الخريطة الجماعية للفقر لسنة 1994 , وكذا على معطيات حول السكن الغير اللائق لتحديد المجال الترابي بالنسبة للبرنامج ألاستعجالي .
كما تم تحديد معايير لانتقاء المشاريع المعروضة على تمويل المبادرة الوطنية , تراعي مدى مساهمة المشروع في تأهيل المواطنين وتحسين مؤشر التنمية البشرية لديهم , ومدى ملائمتها للمشاريع المدرة للدخل القار.

ثالثا : تفعيل الالتقائية من خلال برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
يمكن اعتبار الية تفعيل الالتقائية وكذا متابعتها من ابرز تجسيدات الحكامة المحلية ببلادنا , فالترابط الموضوعي بين ادوار مختلف المنتمين للقطاع العام او الخاص والدور المركزي لمختلف مكونات المجتمع المدني والامكانات المفتوحة امام الفاعلين الجمعويين , ستمكن من الدفع الموضوعي بالحركية المجتمعية , ليس فقط في اتجاه الحد من الاثار السلبية للمعضلة الاجتماعية بل بتنمية المجتمع التي يقصد بها عملية تنظيم جهود افراد المجتمع وجماعاته .

ولتحقيق الانسجام بين التدخلات العمومية واهداف المبادرة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , نرصد اليتين رئيسيتين يتم الاعتماد عليهما في تنفيذ المبادرة هما المقاربتين التشاركية والمندمجة , لما لهما من دور كبير في تدعيم الحكامة الرشيدة للمبادرة ونجاح وسائلها المادية والبشرية , ولما لهما من دور كذلك في ادماج المواطنين بشكل مباشر في التنمية المحلية وتقرير السياسة العمومية المحلية . (1)

اما اليات المتابعة , فهي تكمن اولا- في الحكومة التي تقوم بنهج خطة عمل ترتكز على مبادئ حسن التدبير من مسؤولية وشفافية وقواعد احترافية , وتانيا- في السلطة المحلية التي تقوم باعتماد التخطيط الاستراتيجي التشاركي الذي يعطي الاولوية للمشاريع التي تستجيب لانتظارات السكان , ثم ثالثا- المجتمع المدني بصنفيه القطاع الخاص الذي هو اهم شريك في المبادرة ويتكفل بمشاريعها والاستثمار فيها , وكذلك النسيج الجمعوي الذي هو حاضر بقوة في جميع برامج وهيئات المبادرة , اذ يقوم بمتاعة انجاز التشخيص التشاركي .

فلماذا الالتقائية سنة 2008؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من الإحاطة بالمعطيات السابقة التي ميزت السنوات الأولى لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى يومنا هذا :
أ‌- سنة 2005 (سنة الانطلاقة) : يعتبر البرنامج الأولي برنامج انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , ذلك انه يرتكز على التحديد المباشر للمشاريع ذات الوقع القوي على المستوى الإقليمي بتنسيق مع الجماعات المحلية المعنية والجمعيات المحلية .

كما أن أجهزة الحكامة خلال هذه السنة لم تفعل بشكل حقيقي , فتم التعجيل بالبرنامج ألاستعجالي من اجل تحقيق المكتسبات المرسومة بهذا البرنامج الذي حقق انجازا مميزا تمثل في انجاز أكثر من 1100 ألف مشروع . (1)

أ‌- سنة 2006 (سنة البناء) : تم إعطاء انطلاقة عمليات خلق الانسجام بين البرامج القطاعية على الصعيد الجهوي , خاصة في المناطق الأقل حظوة , فكان المنطلق الأول لبروز مفهوم الالتقائية ببلادنا خطاب صاحب الجلالة , و الملتقى الحكومي المنعقد بمدينة بني ملال بتاريخ 22 شتنبر 2006 , والذي تمت من خلاله مطالبة الجماعات المحلية بالعمل على تحيين مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية , والحرص على انسجام البرامج المسطرة في إطارها مع أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتدخلات العمومية . هذا إلى جانب ظهور المعالم الحقيقة لأجهزة الحكامة . (2)
ج- سنة 2007 ( سنة الاحترافية في التنفيذ) : عرفت هذه السنة انطلاق إستراتيجيتين أساسيتين في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , تتعلق الأولى : بالتكوين وتقوية الكفاءات , حيث تم تكوين مايزيد عن 18.000 مستفيد في ميادين متعددة كالهندسة الاجتماعية والتقييم والتتبع والتدبير المالي للمشاريع .
أما الثانية , فتتعلق بتواصل القرب , وتهدف إلى تشجيع الفاعلين المحليين على المشاركة في إعداد وانجاز المشاريع , وذلك من خلال وضع مخطط وطني موازاة مع مخططات إقليمية للتواصل .

د- سنة 2008 (سنة تعزيز الالتقائية بامتياز) : تم خلال هذه السنة وضع مخطط عمل لتفعيل الالتقائية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية , ابتدأ العمل به شهر يناير الماضي , حيث يتطلب من كافة القطاعات الحكومية اتخاذ ما يلزم من التدابير لتعزيز وتوسيع مسؤولية المشرفين على المصالح الخارجية في اتخاذ القرارات الإدارية والمالية وتمكينها من الوسائل الضرورية لضمان استعمال أنجع للموارد المتاحة بغية ملائمة برامجها , وتحقيق الانسجام والتلاقي فيما بينهما .

كما ويلزم جميع القطاعات الحكومية باتخاذ التدابير الكفيلة بتعزيز مشاركة النساء والشباب والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة , في إعداد وانجاز هدا المشروع المجتمعي , وتعزيز أجهزة الحكامة ضمن مقاربة تشاركية تتبنى التخطيط المتعدد السنوات كمنهج علمي للعمل يتوخى إلزامية النتائج عن طريق تفعيل التدبير المالي .
هذا إلى جانب عقد العديد من الملتقيات الجهوية على الصعيد الوطني حول الالتقائية بكل من مدن (طنجة – أسفي- سلا – الجديدة) .

يمكن القول , أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية برسم الفترة 2005-2007 قد مكنت من برمجة أكثر من 12000 مشروعا لفائدة 3 ملايين مستهدف من خلال المبادرات المحلية للتنمية البشرية , التي أنجزت في إطار تشاركي وتشاوري .
فالمشاريع المنجزة أو في طور الانجاز تمت عبر منهجية تصاعدية عكست الحاجيات المعبر عنها من طرف الساكنة , هذا من جهة . من جهة ثانية , يمكن القول أن سنة 2008 تعتبر سنة تفعيل الالتقائية من لدن القطاعات الوزارية عبر برمجة 5201 مشروعا تنمويا يخص البنيات التحتية بمساهمة مالية بلغت 3.3 مليار درهم , إلى جانب مساهمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمبلغ 2 مليار درهم كاعتمادات للأداء , ومليار واحد كاعتمادات للالتزام .

وبالتالي , هذه المشاريع ستمكن عند انجازها بانسجام مع المبادرة الوطنية من :
* فك العزل و تحسين الخدمات الصحية .
* توسيع قاعدة الولوج للخدمات الأساسية ( الماء - الكهرباء) .
* تحسين التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي والأمية .

وعليه , فتحديث الحكامة المحلية بالمغرب يتطلب منا أن نخطو خطوات جريئة وشجاعة إلى الأمام . وهذا يقتضي إرادة سياسية واضحة في التعبير , والحكامة هي المحك الأساسي لهذه الرغبة القوية .
لذلك فالحكامة الجيدة في أي مجتمع وأي مؤسسة حكومية كانت أو غير حكومية , تبقى من أهم الضروريات لإنجاح المشاريع التنموية , إلا أن تطبيقها يتطلب سيادة جو تسوده الشفافية والمسؤولية ودولة الحق والقانون والمشاركة واللامركزية , لان الحكامة الرشيدة لا تعدوا أن تكون سوى أداة لتبسيط التوجهات الإستراتيجية الكبرى للإدارة الترابية التي بدأت تعتمد أسلوبا جديدا في تدبير الشأن الاجتماعي يتمثل في العمل على تحقيق الالتقائية والتنسيق بين البرامج , والتدخلات العمومية التي تعد الالتقائية قواما لها , والقالب الذي تشتغل فيه من اجل إخراج مشاريع وبرامج تنموية ذات طابع اقتصادي , اجتماعي و ثقافي ثم بيئي إلى الوجود , شرط أن تكون مبنية على مشاركة ايجابية للمواطنين ومعتمدة على مقاربات جديدة في التعاطي مع قضية التنمية , كالمقاربة التشاركية , وسياسة القرب , والمقاربة الترابية , وتثمين مجهودات الفاعلين المحليين ودعمهم , ماديا وتقنيا , قصد بلوغ الأهداف المشتركة وغيرها من المبادرات والجهود .
إلا أننا نسجل غياب التنسيق بين الجهات المهتمة على اعتبار التنمية وحدة متكاملة لا تقبل التفييء , وتستدعي تعبئة الطاقات والموارد المادية والبشرية , لأجل إنجاحها .

هذا إلى جانب بعض الاكراهات التي تعترض تطبيق الالتقائية والمتمثلة في :
* عدم استقلالية المصالح الخارجية في اتخاذ القرارات (البرمجة المالية) .
* عدم وجود ضمان الاستمرارية للبرامج المسطرة مسبقا .
إن مساهمة المؤسسات العمومية في الإستراتيجية الوطنية للدولة , في المجال الاجتماعي , يتطلب أساسا القيام بالدراسات اللازمة , وإعداد خبراء التنمية – نموذج وكالة التنمية الاجتماعية - و الفاعلين التنمويين المتخصصين , وتسهيل عمليات بناء الشراكة مع الفاعلين الآخرين كالجماعات المحلية , وجمعيات المجتمع المدني , والقطاع الخاص , بالاظافة إلى رصد الاعتمادات المالية وتيسير التمويل للقيام بالمشاريع التنموية المدروسة .

ولتجاوز تلك الاكراهات , نقترح ثماني توصيات في هذا الشأن , نتمنى أن تفعل على ارض الواقع , خصوصا وما تتطلبه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من تكاثف الجهود , وتعبئة دائمة بين مختلف الإدارات من مصالح خارجية أو مؤسسات عمومية أو جماعات محلية أو مجتمع مدني لأجل إنجاح هذا الورش الوطني الكبير .

– توسيع مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين , وفك العزلة عن العالم القروي .
– تقوية دور وقدرات المجالس الجهوية للحسابات على مستوى المراقبة البعدية بالنسبة للجماعات المحلية .
– إعادة النظر في المخططات الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية وجعلها منسجمة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
– تكوين لجنة إقليمية تضم الكفاءات من مسئولين وفاعلين جمعويين وطلبة باحثين لتتبع صيرورة الالتقائية .
- الانتقال من التدبير المركزي إلى التدبير اللاممركز عبر تفويض مزيد من الصلاحيات والاختصاصات للمصالح الخارجية .
- الانتقال من التدبير القطاعي إلى التدبير ألمجالي عبر إقرار سياسة مجاليه مندمجة وتقسيم ترابي منسجم يتم فيه اتخاذ القرار بشكل أفقي فيما بين المتدخلين في المجال الواحد , لتحقيق الالتقائية والانسجام بين مختلف المشاريع وفق رؤية واضحة وموحدة .
- تفعيل جهوية متقدمة ومتدرجة مبنية على تناسق عمل كافة المتدخلين على المستوى الترابي الجهوي.(استنادا لخطاب المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2008).
– إعطاء صلاحيات واسعة لأجهزة الحكامة المحلية في اتخاذ القرارات الملائمة والمناسبة للتنمية المحلية.


12/12/2011
0 Poster un commentaire

الأساليب الحديثة لتدبير المرافق العامة ا 

???????? ??????? ?????? ??????? ?????? ??????? ???????.pdf


12/12/2011
0 Poster un commentaire

الإدارة والجباية المحلية

تقديم

‏ أصبح دور اللاّمركزية في عصرنا الحاضر يتزايد يوما بعد آخر في البناء‎ ‎الديمقراطي العام ‏للدولة. فتشعب مهام الدولة وتكاثر مسؤولياتها أدى بها إلى ترك جزء‎ ‎من الوظيفة الإدارية ‏والاجتماعية والاقتصادية إلى وحدات إدارية وترابية تعتمد‎ ‎التمثيلية عبر آلة الانتخاب، بحيث ‏يصبح لممثلي السكان اختصاصات موسعة في مختلف‎ ‎المجالات . إن تعدد وازدياد أدوار ‏الجماعات المحلية في كل التجارب التي تأخذ‎ ‎باللاّمركزية أدّى إلى اعتماد آليات مالية مهمة تمكن ‏هذه الجماعات من موارد تستطيع‎ ‎من خلالها القيام بهذه الأدوار ،فاللامركزية الإدارية ليست فقط ‏متسع الحريات اللازمة للهيأت المحلية لاتخاذ القرارات التي تهم تدبير الشؤون المحلية إنما هي ‏بالإضافة إلى دلك تتطلب إعطاء الهيأت المحلية السلطات و الإمكانيات المالية اللازمة للقيام ‏بالمهام المنوطة بها على الوجه المطلوب خاصة ما يتعلق بالسلطة الجبائية المحلية‏ ‏, والمغرب ‏كغيره من البلدان التي أخذت بنظام اللاّمركزية‎ ‎راكم تجربة على هذا المستوى وخصوصا على ‏المستوى الإداري والذي يصاحبه تطور‎ ‎وفعالية على المستوى المالي وهذه التجربة في الممارسة ‏المالية المحلية في شقها‎ ‎الجبائي تعود إلى مراحل ماقبل الحماية حيث كانت ضرائب دينية وزمنية ‏كانت مجالا‎ ‎للصراع السياسي والاقتصادي بين المخزن وما يسمى" ببلاد السيبة". غير أن النظام‎ ‎الجبائي بمعناه الحديث لم يعرفه المغرب إلا ّمع مؤتمر الجزيرة الخضراء لسنة 1906 تمثل في ‏‎ ‎مجموعة من الضرائب خصوصا الضريبة الحضرية التي أصبحت البلديات تستفيد من جزء منها‎. ‎أما في عهد الحماية وتطبيقا لبنود معاهدة فاس لسنة 1912 حيث صدر ظهير 27 مارس 1917‏‎ ‎الذي أحدث رسوم وضرائب محلية. لكنها لم تف بالغرض ليصدر ظهير 29 دجنبر 1948 ليدخل‏‎ ‎اصطلاحات عميقة على الجبايات المحلية غير أن الهدف من هذه الإصلاحات كان هو‎ ‎المردودية ‏المالية باعتبار أن هدف المستعمر أساسا الاستغلال بالدرجة الأولى. ومع‎ ‎حصول المغرب على ‏الاستقلال صدر ظهير 23 مارس 1962 الذي أكد في فصله الأول على أن‏‎ ‎تأسيس كل أداء بلدي ‏يجب أن يتم بموجب ظهير شريف وليسرد بعد ذلك لائحة من الأداءات‎ ‎والضرائب الواجب ‏عرضها كرسم النظافة وأخرى اختيارية كالأداء عن الإغلاق المتأخر‎. ‎

وفي سنة 1978 حاول المشرع فرض ضريبة عقارية لفائدة الجماعات المحلية لكنها ‏اصطدمت‎ ‎بمقاومة لوبي العقار بالمغرب، وصدر قانون 89.30 محكوما بظرفية داخلية وخارجية ‏حدت من‎ ‎دوره في الدفع باللاّمركزية بالمغرب. إلا أن أنه وبالنظر إلى الصعوبات والإكراهات ‏التي عرفها قانون رقم 30.89(‏ ‏) ولاسيما من حيث التطبيق ونتيجة إلى ما عرفه المغرب من ‏إصلاحات في المجال الضريبي خلال الثمانينات من القرن الماضي، وكذا الاختصاصات الواسعة ‏التي أصبحت تضطلع بها الجماعات المحلية بعد التعديل الدستوري سنة 1996 في مجال التنمية ‏الشاملة، أصبح معه القانون رقم 30.89 متجاوزا وعجلت بصدور قانون الجبايات المحلية رقم ‏‏47.06 والذي دخل حيز التنفيذ في يناير 2008(‏ ‏).‏
‏ وما تجدر الإشارة إليه أن موضوع الجبايات المحلية من المواضيع التي استرعت اهتمام كل ‏المسؤولين سواء على مستوى وزارة الداخلية باعتبارها الوزارة الوصية على الجماعات المحلية ‏أو على مستوى المسؤولين بالمجالس الجماعية (‏ ‏).وسنحاول في هدا العرض تجاوز المنطق ‏الوصفي أو السردي للقانون المتعلق بالجبايات المحلية06/47 إلى البحث في مدى‎ ‎قدرة هدا ‏القانون على تجاوز حدود ظهير 1989 من خلال الإجابة على الإشكال المركزي‏‎ :‎
هل الإصلاحات الجبائية المحلية تعكس رؤية إستراتيجية للدفع بدور‏‎ ‎اللاّمركزية في التنمية؟ أم أن ‏الأمر مرتبط بتدبير أزمات عبر إصلاحات سرعان مايتم‏‎ ‎اعلان افلاسها؟ من خلال خطة البحث ‏التالية:‏

 

 

التصميم:‏
مقدمة :‏
المبحث الاول : أطراف العلاقة الجبائية المحلية
‏ المطلب الأول: الإدارة الجبائية المحلية ‏


‏ الفقرة الثانية : سلطة الادارة الجبائية
‏ المطلب الثاني: المكلف بالجبايات المحلية
‏ الفقرة الاولى : الضمانات الادارية ‏
‏ الفقرة الثانية: الضمانات القضائية‏
‏ المبحث الثاني :تقيم الإصلاح الجبائي المحلي ‏
‏ المطلب الأول:المرتكزات والمبادئ المؤطرة لقانون رقم 06. 47‏

‏ فقرة أولى : تبسيط الجبايات المحلية وتحسين مردوديتها‏
فقرة ثانية: مطابقة الجبايات المحلية لإطار اللامركزية :‏
فقرة ثالثة: ملاءمة الجبايات المحلية مع حاجيات الدولة‏

‏ المطلب الثاني :سلبيات الإصلاح الجبائي المحلي رقم 06. 47 ‏

‏ فقرة أولى: محدودية توسيع الوعاء الجبائي المحلي ‏
‏ فقرة ثانية : تكريس الفوارق الجبائية بين الجماعات المحلية ‏
‏ فقرة ثالثة:القانون الجبائي المحلي ومطلب تحقيق العدالة ‏
‏ ‏
خاتمة:‏

 


الفقرة الأولى : مكونات الادارةالجبائية

 

المبحث الأول: أطراف العلاقة الجبائيةالمحلية

‏ إن أي علاقة جبائية تتمركز على طرفي نقيض بين الملزم والإدارة الجبائية ، هذه ‏العلاقة الحتمية تفرضها القوانين والتنظيمات الضريبية والتي تتعلق بمهام الإدارة الجبائية المتمثلة ‏في تحديد أساس فرض الضريبة وتصفيتها، وتحصيلها من الملزمين.‏
فالإدارة الجبائية بمناسبة تدبيرها للرسوم أو الضرائب تملك سلطات واسعة حسب القانون الجديد ‏‏06. 47 : التصفية، التحصيل، الفحص، المراقبة، توقيع الجزاءات والعقوبات. ‏
‏ تستخدمها إزاء ملزم مثقل بالإلتزامات، مما يؤدي إلى العديد من ردود الفعل النفسية السيئة ‏للملزم إزاء الضريبة والإدارة الجبائية معا، لهذا ولتحقيق المردودية الجبائية يتعين تحسين ‏العلاقة بين الطرفين وذلك بتهيئة السبل والوسائل لتلطيف تلك العلاقة وإقامة جسور الحوار ‏والتواصل بين الجانبين.‏

المطلبالأول: الإدارة الجبائية المحلية
‏ الإدارة الجبائية في معناها العام تعتمد في قيامها بمهامها على عناصر بشرية ممثلة في ‏موظفيها وكذلك على هياكل وبنيات إدارية معينة تتجسد في الأقسام والمصالح المختصة، كما ‏تعتمد أيضا على صلاحيات وسلطات خولها لها القانون.‏

 

الفقرة الأولى:مكونات الإدارة الجبائية ‏

يقصد بالإدارة الجبائية مجموع الأجهزة المتدخلة في تدبير الجباية المحلية بدء من أجهزة ‏الوعاء المحلي , مرورا بتصفيته , وانتهاء باستيفائه من ذمة الملزم ,ونجد المشرع الجبائي في ‏مجال الجبايات المحلية ومن خلال المادة 167 من القانون رقم 06. 47 يقصد بالإدارة نوعين من ‏المصالح الإدارية تلك المصالح التابعة لمديرية الضرائب بالنسبة للرسوم المهنية ورسم السكن، ‏ورسم الخدمات الإجتماعية، وكذا المصالح الجبائية التابعة للجماعات المحلية بالنسبة لباقي ‏الرسوم المذكورة في ذات القانون، ومن خلال هذا المطلب سنبين مكونات الإدارة الجبائية ثم ‏السلطات المخولة لها لممارسة مهامها بالشكل المطلوب
لقد أوكل المشرع مهام تطبيق وتنفيذ النص القانوني المتعلق بالجباية المحلية إلى إدارة ‏جبائية، وحدد الساهرين عليها في الأمرين بالصرف سواء عمال العمالات والأقاليم ورؤساء ‏الجماعات الحضرية والقروية، وعمال مراكز الجهات، وهي فئة ذات طابع سياسي وكذا أجهزة ‏تقنية محلية تتجلى في القابض ووكلاء المداخيل.‏

 

أولا: جهاز الآمر بالصرف
يمكن الحديث في هذا الصدد، وتماشيا ما حدده المشرع عن الآمرين بالصرف المنتخبون ‏والآمرون بالصرف المعينون.‏

يعتبر رؤساء المجالس الجماعية آمرين بالصرف للميزانية، ويتخذون القرارات لأجل تحديد ‏سعر الرسوم وتعرفة الواجبات ومختلف الحقوق طبقا للنصوص التنظيمية المعمول بها إضافة ‏إلى مهام أخرى مسندة إليهم في مجالات متعددة ومتنوعة‏
وبحكم صلاحية رؤساء المجالس الجماعية في مجال اتخاذ القرارات الجبائية المحلية من ‏أجل تحديد سعر الرسوم، إضافة إلى القيام بعمليات الإثبات والتصفية للرسوم المحلية(‏ ‏)، فإن ‏المنطق السليم المتماشي مع تدعيم اللامركزية الإدارية وتحقيق المردودية الجبائية يقتضي التوفر ‏على كفاءات علمية وتقنية في هذا المجال، وإن كان الميثاق الجماعي ‏ قد جاء بعدة إصلاحات في ‏هذا المجال بفرضه توفر الشهادة الإبتدائية في المرشح لرئاسة المجالس الجماعية فإنه مع ذلك لم ‏يستطع تجاوز مجموعة من الإخلالات التي تطرحها عملية تسيير دواليب المجالس المحلية، ولا ‏سيما منها الجانب الجبائي
‏-الآمرون بالصرف المعينون‏:
يعتبر العمال سواء عمال العمالات والأقاليم أو عمال مراكز الجهات أجهزة معينة في إطار ‏اللامركزية الإدارية من خلال ظهائر شريفة باقتراح من وزير الداخلية، واستنادا إلى ظهير ‏‏1977 المتعلق باختصاصات العمال فقد أصبح هؤلاء إضافة إلى ممثلين لوزارة الداخلية، ممثلين ‏لجلالة الملك ومندوبين للحكومة، وقد أصبح العمال بعد التعديل الدستوري لسنة 1996، ممثلون ‏للدولة في العمالات والأقاليم والجهات ويسهرون على تنفيذ القوانين، والمسؤولون عن تطبيق ‏القرارات الحكومية وتسيير المصالح والإدارات التابعة للإدارات المركزية، وبوصفهم آمرين ‏للصرف فهم منفذين لميزانيات العمالات والأقاليم والجهات ويقومون بموجب ذلك باتخاذ ‏القرارات الجبائية الإقليمية والجهوية
وهكذا نستنتج أن تسيير حقل الجبائية المحلية ثم إسناده للآمرين بالصرف منتخبين ومعينين، ‏وإن كان الأمر يتطلب اقتصار إسناد الجبائية المحلية لفائدة الأجهزة المنتخبة بحكم نوعية وكم ‏الرسوم المحلية المستحقة لفائدة الجماعات الحضرية والقروية مقارنة مع تلك المستحقة للعمالات ‏والجهات، تماشيا مع تدعيم الديمقراطية المحلية وتحميل ممثلو السكان كامل المسؤولية في هذا ‏الباب.‏

ثانيا: الأجهزة التقنية المحلية
إذا كان الآمرون بالصرف (معينون أو منتخبون) يقومون بعمليات تصفية المادة الجبائية ‏فإن المحاسبين العموميون هم الذين يقومون بعمليات التحصيل وذلك عملا بمبدأ الفصل بين العمل ‏الإداري والسياسي، ويمكن الحديث في هذا الصدد عن القباض (المحاسبين العموميين)، ووكلاء ‏المداخيل الجماعيين.‏

1-يعتبر القباض موظفون تابعين لوزارة المالية، يشرفون على التسيير المالي للجماعات كتنفيذ ‏الميزانية بشقيها المداخيل والنفقات ويمارسون رقابة على الآمر بالصرف ووكلاء المداخيل، ‏وبالتالي هم محاسبون عموميون يخضعون لقواعد المحاسبة العمومية ويتحملون مسؤوليتهم أمام ‏القضاء المالي(‏ ‏)، ‏

‏ 2 – وكلاء المداخيل  : يعتبر موظفا جماعيا يعمل تحت إشراف السلطة الرئاسية للآمر بالصرف ويتم تعيينه بالكيفية التي ‏يتم بها إنشاء وكالة المداخيل الجماعية بمقرر صادر عن وزير الداخلية باقتراح من الأمر ‏بالصرف بعد تأشيرة وزير المالية ‏
‏ ‏
الفقرة الثانية :سلطة الإدارة الجبائية

يتحدد الوعاء الجبائي من خلال طرحين اساسين الأول يتعلق باهتمام الملزم بالواقعة المنشئة ‏للرسوم المحلية بواسطة آلية الإقرار أما الطرح الثاني فيتم من طرف الإدارة عبر تقنية الإحصاء ‏لكن في بعض الحالات تقوم الإدارة الجبائية بإرادتها المنفردة بتحديد المادة الجبائية المحلية وذلك ‏عن طريق التقدير الجزافي في حالة امتناع الملزم عن الإدلاء بالتصريح ، إضافة إلى هذه ‏السلطات المهمة فقد منح لها القانون الجديد المتعلق بالجبايات المحلية سلطات أخرى تتجلى أساسا ‏في سلطة التسعير وسلطة التحصيل .‏
سلطة التسعير : ‏لقد ترك المشرع أمر تحديد أسعار بعض الرسوم للجماعات المحلية إما على أساس قيمي أي قيمة ‏المادة الضريبية محددة بالعملة ويطبق السعر بنسبة مائوية معينة من هذه القيمة وهذه الرسوم تمس ‏بالدرجة الأولى مجالات ذات أهمية بالغة من عقارات و ترفيه وسياحة ونقل وتجارة ، ويتضح إن ‏التقدير القيمي هو النظام الأمثل لتحديد الأسس الجبائية المحلية لكنه نظام أكثر تعقيدا وصعوبة مما ‏حذا بالمشرع إلى مزاوجته بنظام التقدير النوعي في تسعير الرسوم المحلية عن طريق تطبيق ‏الجباية على وحدة المدة الخاضعة للرسم مثل الوزن أو الحجم ويحتسب السعر النوعي بمبلغ مالي ‏مباشر على هذه الوحدة بغض النظر عن قيمتها كأن يحدد السعر في 20 درهم للمتر مربع من ‏المادة الخاضعة للرسم المحلي ‏. ‏

سلطة التحصيل : يقتضي التحصيل الجبائي المحلي لمختلف رسوم الجماعية نهج المساطر المنصوص عليها في ‏مدونة تحصيل الديون العمومية ونقصد بذلك المسطرة العادية التي تلجأ إليها الإدارة الجبائية ‏المحلية من اجل استخلاص الرسوم بطريقة ودية إذا تم الأداء داخل الأجل المحددة قانونا بناءا ‏على جداول الرسم المحلي وتاريخ استحقاقه، لكن في حالة عدم تمكن الإدارة من تحصيل ديونها ‏بالطريقة الودية فان اللجوء إلى مسطرة التحصيل الجبري يبقى الملاذ الأخير من اجل إكراه ‏الملزم على أداء ما بذمته من ديون محترمة في ذلك مختلف درجات التحصيل الجبري التي ‏حددتها المادة 39 من مدونة التحصيل مرتبة كالتالي الإنذار _ الحجز _ البيع الإكراه البدني

المطلب الثاني: الملزم بالجبايات المحلية
إن فكرة الملزم بالضريبة سواء محلية أو وطنية، يثير مفهوم السلطة العمومية والقرار ‏الأحادي للإدارة كأداة لعمل السلطة التنفيذية الساهرة على تطبيق القانون الضريبي المحلي ‏والوطني. فهذه النظرة التقليدية نابعة من كون الأفراد الخاضعين للضريبة أو الرسوم يتكون لديهم ‏ذلك الشعور النفسي بالتقزز والنفور من قواعدها لأنها تقتطع من دخولهم وأرباحهم المحققة ‏بمجهودهم الفردي لاعتبارات المصلحة العامة التي لا يرونها في بعض الأحيان مجسدة أمامهم ‏في منافع وخدمات يستفيدون منها مباشرة لقاء مساهمتهم في تلك التحملات العمومية، فمن هذا ‏المنطلق يتقلص الوعي الجبائي لارتباطه بحسن تدبير النفقات العمومية الذي يختلف عن تدبير ‏الموارد العمومية، وهذا المفهوم في العلاقة الجبائية الذي يجعل الفرد يحس أنه إن كان يتعامل مع ‏إدارة أقل شعبية فإنه بالمقابل يعترف لها بالمشروعية في مباشرة أعمالها ووجوب إسداء الإحترام ‏لها.‏

وفي ذات السياق تنبني العلاقة في معظم مراحلها بين الإدارة الجبائية والملزم على محاولة ‏تحقيق التوازن بين المردودية أي مصلحة الإدارة وبين العدالة الجبائية أي مصلحة الملزم، وهنا ‏يطرح الإشكال حول كيفية الوصول عبر الضمانات القانونية لتحقيق منظومة جبائية محلية تضمن ‏للخزينة والجماعة مردودية جبائية دون ضغط جبائي مرهق للملزم يدفعه إلى الإنحراف ‏الضريبي، إلا أن هذا الأمر وارد لتباين الأهداف لكل طرف على آخر فالخزينة ترمي التحصيل ‏التام لواجباتها والملزم يرمي إلى تكوين رأسمال دون إكراهات جبائية وضغط ضريبي مرتفع، ‏واستنادا لمبادئ العدالة والإنصاف فإن التشريعات الجبائية تنص على بعض الحقوق للملزم ‏ضمانا له ضد تعسف وجور وإجحاف الإدارة، إن رغبة المشرع في الإرتقاء بالرسوم المحلية ‏عن مضمونها الكلاسيكي القائم على الأداء دون المجادلة في شرعيتها كانت وراء إقراره ‏لمجموعة من الضمانات.


فقر ة أولى -الضمانات من خلال التظلمات الإدارية:‏
يمكن اعتبار طلب المراجعة المقرر أمام الآمر بالصرف والطعن أمام اللجان المحلية لتقدير ‏الضريبة من بين أهم الضمانات المقررة للملزم من خلال قانون 06. 47 والتي عبر من خلالها ‏المشرع عن نيته في إشراك الملزم كفاعل أساسي في البناء التنموي.‏


فقرة ثانية- الضمانات القضائية:‏
إن إقرار المشرع لمرحلة قضائية بشأن النزاع المرتبط بالجبايات المحلية ضمانة أساسية في اتجاه ‏ترسيخ عدالة جبائية وحماية قانونية للملزم ويتجلى ذلك في إحداث المحاكم الإدارية وإسنادها ‏اختصاص النظر في كل المنازعات الجبائية ‏.

المبحث الثاني :تقييم الإصلاحالجبائي المحلي ‏
‏ ليس بخاف ما لإصلاح المنظومة الجبائية المحلية من تأثير على الواقع الاقتصادي و ‏الاجتماعي و السياسي والمالي للجماعات المحلية و في هدا الإطار يندرج القانون رقم 476 ‏المتعلق بجبايات الجماعات المحلية ضمن الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز نظام اللامركزية ‏بالمغرب في الشق الجماعي من خلال الميثاق الجديد ‏ او الجانب الإقليمي عبر القانون رقم ‏‏790 ‏ ‏ ,ولملائمة هذه المنظومة مع الضرائب الوطنية ومدونة تحصيل الديون العمومية ‏ ،‏ ‏وهذا الإصلاح فرض نفسه أمام الانتقادات التي وجهت للنظام الجبائي المحلي على ضوء القانون ‏‏8930 من مختلف الفاعلين و المهتمين بالشأن المحلي بالمغرب .وقد شرع في تطبيق قوانين ‏الإصلاح الجبائي المحلي ابتدءا من فاتح يناير 2008، ونقصد بذلك القانون رقم 06. 47 المتعلق ‏بجبايات الجماعات المحلية وقانون رقم 07. 39 الخاص ببعض الرسوم والحقوق والمساهمات ‏والأتاوى المستحقة لفائدة هذه الجماعات, وفلسفة الإصلاح تجد أساسها في المرتكزات والمبادئ ‏المؤطرة لهدا القانون.


المطلب الأول:الايجابيات المؤطرة لقانون رقم 06. 47
‏ لقد جاء قانون إصلاح الجبايات المحلية رقم 47.06 ,لتجاوز الاختلالات ‏المتعددة,ولتمكين الجماعات المحلية من التوفر على منظومة جبائية أكثر نجاعة تضمن مسايرة ‏التوجهات العامة لمختلف الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب ,ودلك من خلال تبني مواصفات ‏الأنظمة الجبائية الحديثة ‏‏ لتحقيق الأهداف التالية :‏


فقرة أولى : تبسيط الجبايات المحلية وتحسين مردوديتها
يمثل مبدأ تبسيط الجبايات المحلية المحور الرئيسي لمرامي الإصلاح الجبائي وقد تمثل ‏بالملموس في الآتي:‏
أ- التقليص من عدد الرسوم: حيث تم إلغاء ثمانية رسوم ظلت تتميز بضعف مردوديتها كما ‏أنها كانت تشكل ازدواجا ضريبيا مع جبايات الدولة :‏
‏-الرسم على المشاهد ‏
‏- الرسم المفروض على الباعة المتجولين.‏
‏- الرسم المتعلق بالإغلاق المتأخر والفتح المبكر.‏
‏- الرسم المفروض على الدراجات النارية التي يفوق محركها أو يعادل 125 سنتمتر ‏مكعب.‏
‏- الرسم المفروض على مؤسسات التعليم الخاص.‏
‏- الرسم المفروض على عمليات تقسيم الأرض.‏
‏- الرسم المفروض على طبع الزرابي‏
‏ وكذا إدماج مجموعة من الرسوم التي لها نفس الوعاء أو تسري على نفس النشاط لتفادي ‏الإزدواجية(‏ ‏). وفي نفس السياق، تم إخراج بعض الحقوق والإتاوات التي لا تكتسي طابعا ‏جبائيا من القانون رقم 06. 47، وتم إصدارها بموجب قانون رقم 07. 39 وعددها 13 رسم وقد ‏تقلص عدد الرسوم التي لها صبغة جبائية من 29 إلى 17 رسما فقط.‏

ب-تبسيط المساطر الجبائية:‏
في هذا الاتجاه، تم التنصيص على تطبيق مبدأ الإقرار محل الإحصاء باستثناء الرسم ‏المفروض على الأراضي الحضرية غير المبنية ورسم الخدمات الجماعية ورسم السكن و الرسم ‏المهني ، ,ويعتبر ذلك مسلك للحوار بين الملزم والإدارة وبالتالي إزالة الحواجز بين الطرفين ‏تجاوزا لهدر الوقت , وهو ما يعنيه الانتقال من الخضوع و الإذعان إلى المشاركة تثبيتا للإنصاف ‏و الحكامة الجيدة ) وذلك من اجل تجاوز الوقت المخصص لعملية الإحصاء وتفادي الأخطاء ‏والنقائص التي يعرفها النظام الإحصائي، فإعمال مبدأ الإقرار سيجعل المنظومة الجبائية ترسخ ‏علاقات حديثة مبنية على مبدأ المساهمة الفعالة للخاضعين للرسوم.‏
وفي ذات السياق عمل القانون الجديد على تحديد مسؤولية المتدخلين في موضوع التحصيل ‏رفعا لكل التباس أو غموض حيث أوكل استخلاص الرسوم الصادرة عن طريق أوامر التحصيل ‏إلى القابض المكلف بالتحصيل في حين يتم استخلاص الرسوم الإقرارية والحقوق المؤداة فقط ‏عن طريق الأداء التلقائي لدى صندوق وكيل المداخيل المعينة.‏


ج-إعادة هيكلة المنظومة الجبائيةالمحلية:‏
أمام الفسيفساء الذي كانت تعيشه الجباية المحلية بشكل عام حيث اتسمت بالتشتت والتشعب ‏فمن قانون رقم89.30 إلى قانون رقم 89. 37 المتعلق بالضريبة الحضرية وقانون رقم 97-97 ‏المنظم للجهة، والقانون الصادر سنة 1980 المنظم لواجب التضامن الوطني على الأراضي ‏العارية، زيادة على ترابطها مع الجبايات الوطنية، فإن القانون الحالي، عمل على جمع شتات تلك ‏النصوص في قانون واحد ‏ .‏


فقرة ثانية: مطابقة الجبايات المحلية لإطار اللامركزية :‏
يرتكز هذا المبدأ على تقوية الدور الجبائي للجماعات المحلية في إطار التطور العام لسياسة ‏اللامركزية خاصة من خلال المواكبة الموضوعية للمستجدات القانونية للامركزية بمستوياتها ‏الجهوية والإقليمية والجماعية ومن الإجراءات التي تم إقرارها على هذا المستوى نجد:‏
‏- تحديد نسب وأسعار بعض الرسوم إلى حد أدنى وحد أقصى وذلك لتمكين الجماعات ‏المحلية من مطابقة مستوى مواردها مع حاجيات التنمية المحلية.‏
‏- ممارسة المراقبة وحق الإطلاع والتفتيش وزجر المخالفات في مجال الجباية المحلية.‏
‏- تعديل القواعد الإجرائية الخاصة بقرارات الإعفاء والتخفيض وإبراء الذمة من الديون.‏

فقرة ثالثة: ملاءمةالجبايات المحلية مع حاجيات الدولة‏
‏ وذلك من خلال:‏

‏- توحيد مسطرة حق الإطلاع على جميع المعلومات والسجلات والوثائق المحاسبية، وذلك ‏لتمكين الإدارة الجبائية من المعلومات الكافية لتأسيس الرسوم المحلية تفاديا لكل أشكال الغش ‏والتملص الضريبي.‏
‏- توسيع حق المراقبة والتفتيش من طرف الإدارة الجبائية.‏
‏- تطبيق نفس نظام الجزاءات والعلاوات المطبقة من طرف الدولة بالنسبة لكافة الرسوم ‏المحلية.‏
‏- حذف بعض أوجه الإزدواج الضريبي بين الدولة والجماعات المحلية.‏
‏- فيما يخص المنازعات الجبائية تم اعتماد أساليب التظلم الإداري(‏ ‏) والتظلم اللجاني(‏ ‏) ‏توفيرا لضمانات الملزم وحماية له من تعسف الإدارة، إضافة إلى الطعن القضائي(‏ ‏).‏


‏ المطلب الثاني :سلبيات الإصلاح الجبائي المحلي ‏
‏ لا شك أن القانون رقم 0647 المتعلقة بالجبايات المحلية , جاء كضرورة , أملتها ظروف ‏الواقع الذي عاشه النظام الجبائي المحلي بمختلف المشاكل و التحديات التي واكبت تطبيق الفانون ‏رقم 89.30,خاصة وان هذا الأخير قد أبان بعد ثمانية عشر سنة من اعتماده على محدوديته بسبب ‏قصوره على مستوى العديد من القطاعات غير المضربة ,وعدم تجنيح التهرب و التعقيدات الفنية ‏لبعض أحكامه ،‏ ‏ فمن خلال قراءة للمستجدات التي حملها قانون الإصلاح الجبائي المحلي ‏تتضح بعض السلبيات :‏


‏ فقرة أولى: محدودية توسيع الوعاء الجبائي المحلي ‏

لقد عمل القانون الجبائي المحلي رقم47.06 على الإجابة على سؤال توسيع الوعاء الجبائي ‏المحلي من خلال إحداث 11 رسما بالنسبة للجماعات الحضرية و القروية و3 رسوم لكل من ‏العمالات و الأقاليم و الجهات كل على حذة إضافة الى اعتماده على وثائق التعمير في تحديد ‏بعض الرسوم لتوسيع الوعاء الجبائي المحلي .إلا إن هدا التوسيع يظل قاصرا ومحدودا ‏ ‏ .

فقرة ثانية : تكريس الفوارق الجبائية بين الجماعات المحلية
‏ ‏
تتجسد الفوارق الجبائية المحلية من خلال تفاوت درجات الاستفادة الجبائية حسب الإصلاح ‏الجبائي الجديد فالجماعات الحضرية والقروية تستفيد من 11 رسما محليا ‏ ‏ بينما تقتصر استفادة ‏العمالات والأقاليم على ثلاثة رسوم ‏ ‏ أما الجهات فتستفيد من نفس العدد من الرسوم خاصة ‏الرسم على الصيد و المناجم والخدمات المقدمة بالموانئ وبالتالي استفادة جميع الجهات من هذه ‏الموارد تكون مستحيلة لعدم توفر بعضها عن الأوعية الجبائية ,وتتجلى الفوارق الجبائية المحلية ‏على مستوى الجماعات الحضرية والقروية حيث تتواجد اغلب الأوعية الجبائية في المجال ‏الحضري ‏.
كما ترك الحرية للمجالس الجماعية بخصوص تحديد أسعار بعض الرسوم المحلية التي حدد لها ‏القانون سقف أقصى وأخر ادنى خلق نوعا من التفاوت و التباين بين جماعة محلية وأخرى ويتم ‏استغلال الحرية في تحديد الأسعار لأغراض انتخابية ‏.

فقرة ثالثة:القانون الجبائي المحلي ومطلب تحقيق العدالة ‏

يمثل النظام الجبائي المحلي انعكاس للبنيات الاجتماعية , ومدى وعي الوسط الاجتماعي بأهمية ‏الجباية وأدوارها الاقتصادية والاجتماعية ,ويعتبر من العوامل المساعدة على تقبلها ، والاقتناع ‏بالجانب العادل في الجباية ,فقاعدة العدالة تقتضي بان يكون توزيع المنتوج الجبائي المحلي على ‏مختلف الملزمين حسب قدرتهم على الدفع على اعتبار ان العدالة الجبائية من بين الأهداف التي ‏تسعى إلى تحقيقها جل التشريعات الجبائية و التي تنص من الناحية النظرية على الارتباط القائم ‏بين المردودية و العدالة الجبائية وعلى ضرورة التوفيق بينهما ‏ .  وفي هذا السياق، وتحقيقا ‏للعدالة الجبائية نجد أن القانون الجديد، ومن الناحية المالية قد عمل على توسيع نطاق سريان ‏فرض الرسم على الخدمات الإجتماعية والرسم على عمليات التجزئة للأراضي لتطال العقارات ‏الواقعة في مراكز المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية وبالمحطات الصيفية والشتوية ‏ومحطات الاستشفاء بالمياه المعدنية(‏ ‏)، كما أنه بإقراره لنظام الإعفاءات الدائمة والمؤقتة وكذا ‏التخفيضات(‏ ‏)، فهو يهدف بذلك إلى المحافظة على الحد الأدنى للمعيشة، وتحقيقا للغاية ذاتها ‏فقد أتى القانون الجديد بالعديد من الضمانات الخاصة بالملزم كإخطاره أثناء عمليات تصحيح ‏الإقرار(‏ ‏) وإعطاءه الحق في تبرير ما سبق أن قدمه خلال عملية الإقرار والتصريح وبالتالي ‏مراعاة عسره وإمهاله مدة معينة لأداء واجباته الضريبية، كل هذا يصب في اتجاه تليين العلاقة ‏التواجهية بين الإدارة الضريبية المحلية من جهة وباقي الملزمين.‏

خاتمة

من خلال القراءة المتأنية في النصوص القانونية المؤطرة للجباية المحلية يتضح كما هو الحال في ‏جميع القطاعات وعلى جميع المستويات ان المشكل لا ينحصر في عدم كفاءة النص القانوني بل ‏يتعداه إلى ما هو سوسيولوجي يرتبط أساسا بالوعي الجماعي وبالإرادة السياسية وتوفير الموارد ‏البشرية والمادية لتفعيل النص القانوني على ارض الواقع ‏.
فرغم ما شاب القانون 06. 47 من عيوب فانه حاول تجاوز بعض الإشكالات التي عانت منها ‏الجباية المحلية لكن ما يبقى ناقصا هو غياب اللقاءات العلمية والحملات الإعلامية التحسيسية من ‏اجل بسط والتعريف بالقانون ليس فقط على مستوى الملزمين بل حتى المكلفين بتطبيقه ..‏


12/12/2011
0 Poster un commentaire

اساسيات في التحرير الاداري

يعتبر التحرير الإداري من بين المواضيع التي تهم الموظف الإداري التي تمكنه من التراسل الإداري ,وسنتطرق في هذا المبحث إلى تقديم منهجية واضحة المعالم لتحرير الرسالة الإدارية وذالك من خلال إبراز بعض الجوانب والتقنيات المنهجية للتحرير الإداري سنفرغها في قالب متفرع إلى أربعة مطالب كالأتي :


المطلب الأول : مفهوم التحرير الإداري


أولا : لغة :

حرر يحرر تحرير أي كتب , وتحرير الكتاب وغيره تقويمه .
وتحرير الكتابة : إقامة حروفها وإصلاح السقط والسقط هوا لخطأ في القول والحساب والكتابة
هو لغة مشتقة من حرر أي أطلق صراح الفكرة أو إعطاء الحرية للتعبير


ثانيا : اصطلاحا :


تعني الإنشاء والكتابة , ويمكن تعريفه "مجموع الوثائق التي تحررها الإدارة بواسطة موظفيها , وتستعملها كوسيلة اتصال بغيرها من المصالح الإدارية الأخرى , وكذالك للقيام بعملياتها المختلفة بغية الوصول إلى الهدف المسطر لها ".
ولقد فضل المؤلف تسميتها بالمراسلات الإدارية لشموليتها إذ تتناول بالدراسة الوثيقة الإدارية وكيفية معالجتها (طريقة الكتابة ) أما التحرير فقد يقتصر على طريقة الكتابة والبراعة في عرض الموضوع من خلال ترتيب أجزائه وإبراز نتائجه .
فالمراسلات الإدارية كونها من وسائل الاتصال المباشر لا يكمن الاستغناء عنها نظرا لأهميتها في الحياة اليومية والعصرية , ولقد أستخدم الأولون الرسالة فكانت هي الأداة الوحيدة التي تنقل الخبر وتعلم أو تبلغ المخاطب بها عن الأوضاع أو المواقف , بل وقبل ظهور الرسالة المكتوبة كانت هناك أنواع جمة من التراسل والتواصل ولعل أهم الأمثلة الحمام الزاجل أو عن طريق الخيول التي يقودها فارس الذي يسافر من منطقة إلى منطقة لإيصال الخبر ...
ولكن بتطور وسائل الاتصال والإعلام ظهرت أنواع جديدة من الاتصالات ولعل أهمها الهواتف اللاسلكية والأعلام الآلي والانترنت وغيرها من وسائل الاتصال .



ثالثا : أهمية التحرير الإداري



مازالت الوثائق الإدارية المكتوبة عموما والرسالة الإدارية على وجه الخصوص وزنها الكبير , نظرا لأهميتها في الحياة العملية واليومية فنجدها صارت من الوثائق الإدارية الغالبة في الاستعمال وتتدرج أهميتها تبعا للمهام التي تتضمنها والتي يمكن ترتيبها على النحو الأتي :


1- الوسيلة الغالبة في اتصال وفي نقل المعلومات :


للمراسلات الإدارية مكانة خاصة في النشاط الإداري فهي من بين الوسائل الغالبة والجارية العمل والتعامل بها في العلاقات الإدارية فيجب على مستعملها حسن استعمالها ,كما تعتبر من بين أهم العوامل التي تساهم في نجاح أي تنظيم إداري , نقل المعلومات وإيصال الحقائق إلى الأشخاص المعنيين بأي أمر , بالإضافة إلى حسن استغلال الثروة اللغوية والدقة في التعبير , كما أنها تعتبر وسيلة تلبي حاجات التبليغ الأساسية ( ).


2- أنها مادة عمل وميدان للتطبيق :



إن الإلمام بقواعد التحرير أمر ضروري وهذا من اجل التحرير السليم والتحكم في المضمون كما إن الموظف عليه إيجاد هذه القواعد حتى يتسنى له إيصال ونقل المعلومات إلى المخاطب بها كما يفهمها هو –المسؤول- فأهميتها العملية تشمل كل من العاملين بالإدارة والمتعاملين معها ,فإذا كان كلاما بينهم متبادلا بالكلمة يسمى اتصالا ,آما إذا كان بالكتابة فتسمى مراسلة أو مكاتبة .



3 - أن لها دلالة مادية في الإثبات :


وذالك على أساس أن الوثائق الإدارية أوراق رسمية وأن الكتابة هي أقوى الأدلة في الإثبات وتكون لصورتها الرسمية خطية كانت أو فوتوغرافية حجة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة للأصل ( )
كما أنها تثبت هوية صاحبها وذالك من خلال الوثائق المرفقة بها وذالك من ناحية الكفاءة ...


4- تسيير الحركة الإدارية

في مؤسسة ما أو شركة بالإضافة إلى أنه بسيط الاستعمال , قليل التكاليف هل الحفظ والرجوع إليه عند الحاجة أداة سهلة للتواصل والتخاطب والتداول .


المطلب الثاني: خصائص التحرير الإداري

يتميز التحرير الإداري بجملة من الخصائص يتصل بعضها بالتنظيم الإداري وما يترتب عنها من احترام التسلسل الإداري (التدرج الرئاسي) وما يتعلق به كالتحلي بروح المسؤولية والحيطة والحذر ثم المحافظة على سر المهنة وهذه الخصائص يجب أن تتوفر في الموظف الإداري أو أي شخص معني بهذا النوع من التحريرات أو المراسلات .
وهذه الخصائص عبارة عن قواعد تنظيمية يجب احترامها , وهذه القواعد هي جزء من مجموعة الضوابط الإدارية التي تحكم التنظيم الإداري وتحدد العلاقة بين الرئيس والمرؤوس سواء من أعلى أو من أسفل على النحو الأتي :



1- احترام التسلسل الإداري :


يقوم التنظيم الإداري في الدولة على أساس التسلسل الإداري – التدرج أو السلم الإداري – وهذا الأخير يتخذ شكل هرم يتجزأ إلى عدة أجزاء من الأعلى إلى الأسفل وفقا للقاعدة القانونية الأعلى يسود الأدنى ( ).
ولابد من الإشارة إلى قاعدة أخرى يجب التقيد بها عندما يتعلق الأمر بالمراسلة الداخلية وهي احترام السلم الإداري,وذلك يعني أنك إذا واجهت رسالة إلى احد رؤسائك الأعْليْن ,فلابد من أن تطْلع عليها رِؤسائك المباشرين للإعلام وللإدلاء بالرأي في فحواها عندما يستدعي الأمر ذلك , ويعبر عن ذلك على النحو الآتي ,في عنصر المرسل إليه ( ) :


2- المسؤولية والحذر :


إن مبدأ المسؤولية هو أساس التحرير الإداري , ويقصد بها هنا سلطة اتخاذ القرار مع تحمل نتائجه , والأصل أن رئيس المؤسسة أو مديرها هو المسؤول الأول عن التنفيذ السليم للمهام التي أسندت إليه في إطار نشاط مؤسسته طبقا للقاعدة " حيث تكون السلطة تكون المسؤولية ", لكن قد يتغيب المدير لمانع ما أو يفوض بعضا من صلاحياته إلى أحد مساعديه لكثرة مهامه ,فيحدث أن يتعدى هذا الأخير الصلاحيات المفوض فيها تفويض توقيع مكتوب أو غير مكتوب, فهنا يجب التمييز بين ما إذا كان الخطأ شخصيا و به تنعقد مسؤولية المفوض إليه على أساس الخطأ أو كان مصلحيا فتتحمله الإدارة .
وقد ينتفي الخطأ الشخصي والمرفقي معا حين تطغى المصلحة العامة بضروراتها ومقتضياتها فهنا تكون المسؤولية على أساس نظرية المخاطر مما يدخل في موضوع القانون الإداري .


وعليه فيجب مراعاة مبدأ المسؤولية عند التحرير ومن التوجيهات المقدمة في هذا الإطار عدم استعمال ضمير الجمع "نحن" بل نستعمل ضمير المفرد دون ذكر الضمير
وأما الحذر فهو الحيطة والتحفظ فحتى لا يتحمل المرؤوس المسؤولية يجب عليه أن يكون حذرا وبصيرا, فلا يغتر بنفسه بل عليه أن يترك الكلمة الأخيرة لمن بيده اتخاذ القرار وعليه أن يختار العبارات الخفيفة واللطيفة مع شيء من التحفظ بدلا من إثباتات صريحة ويمكنه أن يستعمل العبارات التالية : يبدو لي....في رأيي....يظهر مما سبق ...يتضح من ذلك ...


3- واجب المحافظة على سر المهنة :



تدخل هذه النقطة ضمن دراسة واجبات الموظف إلا أن لها علاقة وطيدة بالتنظيم ككل وبمبدأ المسؤولية خاصة إذ يجب على الموظف أن يحافظ على سر المهنة , فلا يوزع أو يطلع الغير خارج ضرورات مصلحته على أي عمل أو أي شيء مكتوب أو خبر يعرفه شرط ألا يكون ذلك على حساب الإعلام الإداري , كما يمنع من إفشاء وثائق المصلحة أو إتلافها دون ترخيص مكتوب من رئيسه الإداري ( ).


المطلب الثالث : مميزات الأسلوب الإداري



إن استعمال الرسالة في الحياة المهنية اليومية أصبح الأمر شائعا ,لأنها وسيلة تلبي حاجات التبليغ الأساسية فالرسالة في واقع الأمر ما هي ألا مجموعة من المعلومات تأتي في شكل موضوعي وفق نظام محكم من التمحيص والدقة وان تحرير الوثائق الإدارية بتعدد أنواعها واختلاف طبيعتها تحتاج إلى الإلمام بقواعد الكتابة وتعابيرها أو بمعنى أخر سلامة الأسلوب وصحته ’ وللأسلوب معنى آخر أعم وأشمل ’ إذ يقصد به الطريقة التي يستعملها المحرر في اختياره للمفردات تركيبها وترتيبها بالصيغ التي من خلالها ينقل لغيره الفكرة أو الأفكار التي يريد التعبير عنها أو إبلاغها .
ونستخلص من هذا أن الأسلوب الإداري متميز عن الأساليب الأخرى كالأسلوب الأدبي
وسندرج هذه المميزات فيما يلي :



1- الموضوعية :
أن الإدارة العامة ليست شخصا عاديا يتصرف وفق مزاجه وهواه بل هي تنظيم جماعي بشري هادف .
أن وجود الإدارة العامة يعطي للمراسلة نوعا من الأهمية والجدية والمكانة ويطبعها بالطابع الرسمي ,فالإدارة من خلال القيام بأعمالها المختلفة , تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ويجب أن يتجسد ذالك في كتاباتها ,وبعبارة موجزة على المحرر الابتعاد عن النزعة الفردية ويلتزم الحياد والعواطف .
وعليه يجب إبعاد العبارات التالية عن التحرير : يسرني .., في انتظار قراءتكم..., في انتظار ردكم..., ويفضل استعمال العبارات التالية : يشرفني ..., لي الشرف..., ألتمس ... , أرجو ...

2- الوضوح والبساطة :
حين يقوم المحرر بكتابة مراسلة إدارية ما يجب أن يضعه أمام عينيه الأشخاص المخاطبين بها والذين يختلفون في مستوى إدراك مضمون ما كتب , وعليه أن يترجم أفكاره ويعبر عنها ببساطة ودون غموض وتجنب الكتابة على ضوء الكلام , فلا نكتب كما نتكلم وذالك حتى يفهم المخاطبون بها محتواها فهما جيدا وحتى وعليه أن يترجم أفكاره ويعبر عنها ببساطة ودون غموض وتجنب الكتابة على ضوء الكلام ,فلا نكتب كما نتكلم وذالك حتى يفهم المخاطبون بها محتواها فهما جيدا وحتى إن أجبرنا على استعمال مصطلحات قانونية أو فنية يجب الاختيار الأكثر بساطة والجاري العمل بها وفقا للقاعدة " خاطبو الناس على قدر عقولهم" وعليه دائما يجب طرح السؤال التالي : من أراسل ولمن أكتب وماذا أكتب ؟ ( )
كما يجب أن تكون مقنعة وذات استمالة وهذه الأدوات ينبغي أن تكيف على حسب الوضع الذي تتصل به , وعلى حسب المكانة الاقتصادية والاجتماعية للشخص المتلقي ,ولابد من مراعاة حسن استعمال القواعد المضبوطة الخاصة بتقديم البلاغ فهي تسهم إلى حد بعيد في جعله مقنعا ولتسهيل فهم الرسالة ينبغي الاهتمام بجانب الشكل والعرض ,مثل نوعية الكتابة من حيث وضوحها ومراعاتها لقواعد الصرف والنحو والبلاغة والإملاء وقواعد الترقيم .
ولعل ما يجعل أي بلاغ مكتوب أقدر على النفاذ وأعظم نجوعا هو التقيد بما يلي :
- يستحسن أن يكون نص البلاغ متألفا من ألفاظ سهلة ومتداولة وعبارات موجزة
- تجنب الألفاظ الغريبة والكلمات المستحدثة التي لم يشع بعد استعمالها .
- ينبغي تجنب الخيال مما قد يسبب لبسا في المعنى وغموضا فيه .
- كما يجب أن تكون لغة الرسالة الإدارية لغة سهلة مألوفة في مستوى لغة الصحف والمجلات أو أرقى منها قليلا بمعنى أن المحرر الإداري اذ لم يكن مدعوا إلى تجويد معانيه وتنميق أساليبه فإنه مطالب بالتعبير بدقة عب البلاغ الذي يرغب في إيصاله , وان يكون ملما بالمصطلحات الإدارية ذات المدلول الدقيق .



3- الإيجاز والدقة :
يقصد بالإيجاز فن التعبير عن فكرة معينة بأقل ألفاظ ممكنة وذلك دون تطويل ممل ولا تقصير مخل وعليه يجب استعمال جمل قصيرة قدر الإمكان على أن تكون كاملة ودالة هذا من جانب , ومن جانب أخر يجب أن تكون الكتابة معبرة بحيث لا تتضمن المراسلة ألفاظا يمكن أن تفهم منها عدة معاني موجهة لمفاهيم مختلفة , كما يجب تحاشي التكرار وعليه لا أقول :


كما يجب تجنب الإطناب والحشو لأنها من الصفات المرفوضة في الرسالة ذات الطابع الإداري , لذلك ينبغي أن يسوغ كل معنى وجوده فيها , فالإيجاز إذا هو الصفة التي يجب أن يلتزم بها المحرر لكن الإيجاز المطلوب , لا ينبغي أن يصل إلى حد الإخلال بالمعنى .
بالإضافة إلى أن الرسالة يجب أن تنفرد بموضوع واحد , فإذا كان علينا ان نراسل جهة واحدة في مواضيع متعددة,فينبغي أفراد رسالة واحدة لكل موضوع ( ).


4- المجاملة :
تعتبر المجاملة كخاصية من خصائص الأسلوب الإداري شكلا من أشكال الاحترام ونجدها بكثرة في احترام السلم الإداري وهي مفهومان
أ- مفهوم عام وواسع : حين ترتبط بالمراسلة ككل ومثالها المراسلات الإدارية المصلحية
ب- مفهوم ضق : حين نربطها بصيغة الخاتمة التي يطلق عليها العبارة الأخلاقية أو عبارة الاحترام اللباقة أو اللطافة , مثالها المراسلات الإدارية ذات الطابع الشخصي .
ومهما كانت طبيعة المراسلة فيجب استعمال كلمات لطيفة ومهذبة حتى نترك الأثر الطيب لدى المخاطب بها وذالك حتى في حالة رد سلبي كرفض طلب توظيف وفي مثل هذه الحالة نستعمل العبارات التالية :


يؤسفني ..., لا يمكنني في الحال بالنسبة إلى " يؤسفني " إذا كانت الرسالة تحمل خبرا سيئا للغاية , وأما إذا كان الخبر دون ذالك في السوء فيستحسن أن تبدأ بدون عبارة مجاملة : لقد قررت مؤسستنا إيقاف استعانتنا بمصالحكم التقنية ..
أما إذا كانت الرسالة موجهة من أعلى إلى أسفل : كأن ترد من مدير إلى احد مستخدميه وفي هذه الحالة نستعمل عبارات بديلة مثل : يطيب لي , يسعدني
إذا كانت تحمل خبرا سارا مثل ترقية المرسل إليه مثلا . ويستحسن أن تبدأ بدون العبارات الاستهلالية في الحالات الأخرى مثل : لقد تقرر تعيينكم عضوا في لجنة التحقيق في قضية ...
بالإضافة إلى وجود مميزات أخرى ونجيزها فيما يلي :
- التجرد: ليس ثمة مكان لكل الألفاظ وكل العبارات غير الموضوعية أو العامية أو المبتذلة أو المثيرة للانفعال في الأسلوب الإداري, بل وحتى النسق الصوتي يجب أن يتسم بالجدية والرسمية . ( )


المطلب الرابع : صيغ التحرير الإداري

تجدر الإشارة إلى أن الأسلوب الإداري المستعمل في المراسلات الإدارية يتنوع بتنوع موضوع مستوى المحرر , غزارة أفكاره وكذالك الشخص المرسل إليه كما يتأثر بالمحيط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي السائد .
ويختلف أسلوب الكتابة حسب وجهة الإدارة فإذا كانت تسلطية وجدنا هذه الصيغ والتعابير في شكل أوامر وبالمقابل قد تكون الإدارة حيادية تعمل بموضوعية وتراعي الجانب الإنساني في علاقاتها وحتى من خلال مراسلاتها .
ويمكننا ترتيب هذه الصيغ التي تتنوع بتنوع الموضوع وبنيته , ثقافة المرسل وشخصية المرسل اليه يمكن ترتيبها على النحو الأتي :


1- صيغ التقديم :
ويقصد بها تلك العبارات التي تستهل بها الرسالة الإدارية و المستعملة من المحرر عند الشروع في الكتابة ,هذه الصيغ تمهد القارئ إلى المضمون .
وهذه العبارات تتجسد في كلمة : يشرفني التي يجب استعمالها مرة على الأكثر إما في بداية أو وسط الرسالة ,وتنقسم هذه الصيغ بدورها إلى :

أ- صيغ التقديم بدون مرجع :
وتستعمل في مقدمة المراسلة وتتنوع بحسب ما إذا كانت المراسلة صاعدة أو نازلة ومن العبارات المستعملة : يشرفني أن أعلمكم / أن أطلب رأيكم / أن أرسل إليكم / بعض العبارات المستعملة من الموظف المرؤوس :
يشرفني أن أحيطكم علما / يشرفني أن أعرض عليكم
يشرفني أن أحيل عليكم /
ب- صيغ التقديم بمرجع :
تستعمل هذه الصيغ في مقدمة المراسلة و تذكر بالمرجع المستند إليه وتأتي العبارات المستعملة على النحو الأتي :
- ردا على رسالتكم رقم..... .المؤرخة في ........ والمتعلقة بـ .............. , يشرفني ......


2 - صيغ العرض والمناقشة :وهي تلك المرتبطة بالموضوع وهذه الأخيرة تتنوع بتنوع الموضوع المعالج ومستوى المحرر وغزارة أفكاره ويمكن ترتيبها على النحو الأتي :
أ- الصيغ المستعملة من الرئيس الإداري :
- قررت أو سأتخذ قرارا من... / لاحظت أو ألاحظ .../ كان يجب عليك أو من الواجب عليك ..../ سأتخذ موقفا ما ...
ب- الصيغ المستعملة من موظف مرؤوس :
- أعتقد .../ أسمح لنفسي .../ ل أستطيع إلا.../ عليك بإفادتي بكل ../ يرجع لي أو أرى من صلاحياتي ...
جـ- بعض صيغ الترتيب :
أولا : ................., / ثانيا : ................,/ ثالثا : ................
من جهة ......../ من جهة أخرى ......../ وبتالي ....../ بصفة رئيسية ..../ بصفة ثانوية .........
- نظرا .../ وبالمقابل ..... / بالإضافة إلى ..... / فضلا عن ....فإن ........, الخ من الصيغ .


د- صيغ تقديم الحجج والمبررات :
ولابد للتأكيد على مضمون الرسالة يدعم النص بمجموعة من الحجج وهذه الأخيرة يجب أن تصاغ كالأتي :
- تطبيقا للنصوص التنظيمية المتعلقة بـ .........
- حسب ما تضمنته المذكرة المؤرخة في …………. 3- صيغ الخاتمة :
تختلف عبارات الاحترام بحسب اختلاف مركز المرسل إليه والعبارة المثلى التي تختم بها الرسالة الإدارية هي الع
. بارة التي يتبوأها المرسل إليه ويجب على المحرر عدم التملق فيها أي احترام السلم الإداري بين المرسل والمرسل إليه .
وتختلف بحسب الحالات التالية : - نده إلى نده .
- من أعلى إلى أسفل .
- من أسفل إلى أعلى .
أما بالنسبة إذا كانت المراسلة مع امرأة فيجب مراعاة مايلي :
إذا راسلت امرأة رجل : فلا ينبغي لها أن تضمّن عبارة الاحترام في رسالتها شيئا عن مشاعرها , فهذا ليس لائقا وأفضل
عبارة يمكن أن تختم بها رسالتها مثلا : تفضلوا سيدي بقبول تحيات التقدير ....
إذا راسل رجل امرأة : لا يجب أن تتضمن المشاعر بل يكتفي بالتحيات الخالصة أو عبارة التقدير .
أما إذا كانت بين امرأتين : ويكون التعبير كالأتي: مشاعر التقدير , مشاعر الوفاء .
أمّا بخصوص إلغاء التحيات الختامية :
فلقد جرت العادة في الكثير من الإدارات إلغاء التحيات الختامية إلغاء كاملا , عندما يتعلق الأمر بمراسلة داخلية بين الرؤساء والمرؤوسين , فإذا كتب احد المرؤوسين إلى رئيسه في السلم الإداري , فإنه لا يختم رسالته بالتحيات الختامية المعهودة وكذالك الحال بالنسبة للرئيس .
وهذه العادة ل تخلّ بعلاقات الاحترام التي تربط بين المستخدمين في المؤسسة الواحدة, ولا تحمل في طياتها أدنى قدر من التحقير , وإنمّا تقطع الطريق على الذين يرغبون في الترقي عن طريق التملق والإفراط في المجاملة .


12/12/2011
0 Poster un commentaire

أزمة التدبير المحلي

 

 

أكدت بعض الأوساط أن تعديلات مهمة سيتم إدخالها على الميثاق الجماعي بهدف تصحيح بعض الأوضاع التي نجمت عن التطبيق الحالي، والتي كشفت الممارسة اليومية عن جملة منها.

 ولأن المعروف في المغرب أن الأزمة لم تكن إطلاقاً أزمة نصوص وتشريعات، فمن المؤكد أن أزمة التدبير الجماعي  أعقد بكثير مما يتم تسويقه، وقد تتطلب أكثر من مجرد تعديل النص الجاري به العمل لتجاوز اختلالاتها.

 وكما هو معروف فإن قمة الديموقراطية هي تلك التي تمارس محلياً، لأنها تمكن المواطن البسيط في أقصى نقطة على الخريطة من تدبير شؤونه بنفسه عبر التصويت والمراقبة اللصيقة لعمل المنتخبين.

 ولهذا كان العاهل الراحل قد صرح علانية بأنه لو كان يملك حق الترشيح للانتخابات، لاختار الانتخابات الجماعية.

إلى ذلك، ينظر إلى التدبير المحلي، حتى في الديموقرطيات العريقة، على أنه المدرسة الأولى لتكوين المسؤولين السياسيين، ولهذا يتعذر في فرنسا على -سبيل المثال- أن تجد وزيراً أو عضواً في الجمعية الوطنية لم يمر من باب التدبير البلدي.

 التجربة المغربية كما هو واضح شابتها الكثير من الشوائب -رغم مرور قرابة نصف قرن على تدشينها-، وإذا كان مفهوماً في الماضي أن يتم استغلال هذا المنفذ لإحكام السيطرة على كل وسائل الفعل في الشأن العام، فإن الحاضر لا يبدو أفضل حالاً، رغم التعديلات التي تم إدخالها على الميثاق الجماعي قبيل الاستحقاقات الماضية.

 وبكل موضوعية، فإنه يصعب إلقاء كامل المسؤولية على طرف دون آخر، لأن أيدي الجميع ملطخة، وبشكل متساٍو تقريباً.

 المنتخبون..المستثمرون!!

 لاشك في أن المنتخبين هم عصب  التدبير المحلي، خاصة وأننا أمام أشخاص يفترض أنهم يعايشون  عن قرب المشاكل اليومية للمواطن وبالتالي هم الأقدر من غيرهم على البحث عن الحلول الملائمة في تكريس عملي ومنطقي لمبدإ اللامركزية، لأنه لا يعقل إحالة كل شيء على السلطة المركزية حتى لو تعلق الأمر بمسائل بسيطة تدخل في صميم التدبير المحلي الذي من أجله تم التفكير في خلق مجالس محلية  أصلاً.

 

لكن الملاحظ هو أن تعديل القانون لم يمنع لا نفس الوجوه ولا نفس الممارسات من العودة إلى مسرح الأحداث، لأن الثقافة التي تم ترسيخها طيلة عقود جعلت الجماعات المحلية مجرد بوابة للاغتناء السريع ولخدمة المصالح الشخصية والفئوية.

 فكما يمكن استقراء ذلك بالأرقام، فإن كثيراً من المنتخبين الجماعيين نجحوا في تحقيق “إقلاع اقتصادي شخصي” بمجرد أن استقر بهم المقام تحت قبة المجلس، وهو ما لا يحتاج إلى تفصيل أو شرح في هذا المقام.

 فالبيع والشراء ينطلقان منذ إعلان النتائج، حيث إن تشكيل الأغلبيات لا يخضع سوى لمنطق من يدفع أكثر، علما أن هذا “الدفع” لا يكون نقداً فقط، بل قد يشتمل على منافع عينية، من قبيل تفويض التوقيع، أو التعيين على رأس بعض المصالح الجماعية ذات المردودية العالية، فضلا عن فتح طرق ومسالك أمام المصالح الخاصة حيث غالبا ما يكون المستشارون إما مضاربين عقاريين  أو  أصحاب مشاريع، أو أطرافا في شبكات مصلحية تنسج خيوطها حول مقدرات الجماعة قروية كانت أم حضرية.

 ولهذا كانت الرئاسة في الماضي على كف عفريت، أي أنه كلما تغيرت التحالفات إلا ويجد الرئيس نفسه في مواجهة ملتمس سحب الثقة، الشيء الذي يدفعه إلى التفاوض من جديد أو ترك الكرسي للطرف الأقوى.

 لكن العادة جرت أنه بعد جمع التوقيعات الضرورية لعقد الدورة الاستثنائية غالباً ما تثمر “المفاوضات” فيسحب بعض الموقعين توقيعاتهم، أو تجري الانتخابات فعلاً، لكنها تؤدي إلى عودة الأمور إلى سابق عهدها.

  وعوض أن تؤدي التعديلات التي تم إدخالها على الميثاق الجماعي في هذا الباب إلى سد هذه الثغرة، وجدنا أنفسنا أمام إشكالية أخرى، ذلك أن تحصين الرئيس ضد الإقالة أدى إلى اختراع أسلوب جديد يتمثل في فقدانه للأغلبية الشيء الذي يحوله إلى لعبة في يد المستشارين المتكتلين.

 وقد تكرر هذا السيناريو مرارا وتكرارا حتى في الجماعات التي يحظى فيها حزب واحد بأغلبية مطلقة ومريحة، الشيء الذي خلق إشكالية معقدة خاصة عندما يتم رفض كل ما يتقدم به مكتب المجلس من مشروع الميزانية إلى الحساب الإداري، ما يحكم بالتالي على الجماعة بالجمود التام بما أنها تصبح رهينة في يد رئيس يرفض التنازل، وأغلبية لا مانع عندها من التضحية بكل أشكال التنمية في سبيل الدفاع عما تعتبره حقوقاً لها.

 وأياً كان الحل الذي يمكن أن يتم اللجوء إليه في التعديل المرتقب، فالأكيد أن الإشكالية لن تزداد إلا تعقيداً خصوصاً إذا استحضرنا أن عضوية المجلس أصبحت بالنسبة للبعض مسألة حياة أو موت، لأن مصالح كبرى أصبحت محل رهان، بل إن النشاط الاقتصادي لكثير من رؤساء الجماعات مرتبط بالرئاسة واستمرارهم فيها، ما يعني أن المعركة سيكون لها طابع “درامي”.

 إن الحروب التي تندلع من أجل الفوز بصفة مستشار جماعي أو رئيس، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك بأننا أمام تجربة لا يمكن النظر إليها من زاوية الديموقراطية المحلية ولا من زاوية الصراع على “شرف” تدبير شؤون المواطنين، بل نحن أمام واقع جعل طبقة من الأثرياء الجدد تربط مصيرها بمصير الجماعة، ولنا في تقارير المجلس الأعلى للحسابات ما يكفي من المعطيات التي تؤكد أن الجماعات المحلية لا تخضع لأي شكل من أشكال حسن التدبير بل إن أعضاءها يلعبون أحياناً دور البائع والمشتري في نفس الوقت، ولعل عملية إحصاء بسيطة قد تكشف عدد المستشارين المستفيدين بشكل مباشر من الصفقات التي تعلنها الجماعات التي يحملون صفة مستشار فيها.

 السلطة المحلية..شاهد وشريك

 

الطرف الآخر في المعادلة يتمثل في السلطات المحلية، وهنا نجد أنفسنا أمام ثلاث سيناريوهات.

 السيناريو الأول -وهو الأقل حضوراً- يتمثل في وجود والٍ أو عامل، يرى أن ملفات الجماعات المحلية أقل شأنا من أن تأخذ من وقته أية دقيقة، فيتفرغ لما هو أهم، وبالتالي يحيل  الجمل بما حمل على من هم بعده في لائحة المسؤولية.

 يحدث هذا تحديداً من طرف من ينظرون إلى المسؤولية المسندة إليهم في الولايات والأقاليم والعمالات، على أنها مجرد مرحلة في مسيرتهم المهنية، وبالتالي فإن عيونهم لا تفارق الساعة وسماعة الهاتف التي قد تحمل في أية لحظ خبر الترقية المنتظرة.

 أما السيناريو الثاني فيتمثل في الحالة التي يكون فيها الصراع محتدماً بين السلطة والمنتخبين، وهي حالة نادرة لا تحدث عادة سوى في العواصم الكبرى للمغرب، حيث يعتبر بعض الرؤساء أنفسهم أندادا مساوين للعمال والولاة، وهنا غالباً ما يتخذ الصراع طابعاً شخصياً، ولذلك تفشل كل محاولات الوساطة في وضع حد لهذا   المشهد،  لأن الصراع الشخصي لا يحتكم إلى نصوص قانونية  توضح الاختصاصات والواجبات والحقوق، بل يكون هدفه الأول والأخير هو التناطح الذي غالبا ما تدفع المدينة ثمنه غاليا.

 فكثيراً ما سمعنا عن صراعات من هذا النوع نزلت أحياناً إلى مستويات “سفلية” بلغت حد اللجوء إلى تسخير الصحف الصفراء المأجورة لتصفية الحسابات، وإلى عرقلة كل المشاريع والأوراش في ظل الغياب التام لسلطة الوصاية المركزية التي تفضل القيام بدور المتفرج.

 خطورة هذا السيناريو تكمن في أن السكان يغرقون طيلة الولاية الجماعية في المشاكل بسبب “سوء التفاهم” الدائم بين السلطة والمنتخبين، بشكل يدفع حتى المتحمسين منهم إلى الكفر بالتجربة، وبالتالي الانضمام إلى جحافل العازفين عن التصويت.

أما السيناريو الثالث والأخير، والذي يمثل القاعدة العامة، فتكون فيه السلطة والمنتخبون سمناً على عسل، إلى درجة أن بعض الرؤساء يقبلون لعب دور “الخدم” لدى العمال والولاة.

 ميزة هذا السيناريو أن الكل مستفيد، فالرؤساء غالبا ما يقضون أغراضهم الشخصية ويحققون أهدافهم الخاصة دون “شوشرة”، وبالمقابل فإن السلطة تصبح طلباتها أوامر، إلى درجة أن بعض المنتخبين لا يترددون في خدمتها حتى لو كانت الخدمة المطلوبة ضد الشرف والكرامة..ولا حاجة إلى التفصيل هنا أكثر..لأن الأمر  يتجاوز مسألة حمل البلغة”..

 ..والخلاصة..

 نجد أنفسنا في النهاية أمام واقع غريب، طرفه الأول منتخبون مستعدون للقيام بعملية انتحارية من أجل الاحتفاظ بالصفة التمثيلية، لأن أنشطتهم الاقتصادية متوقفة عليها، وطرفه الثاني السلطة المحلية  المتحررة من كل الالتزامات بدليل أنها لا تطالَب في أية لحظة من اللحظات بتقديم الحساب، فأحرى برنامج عمل تحاسب على أساسه بعد انتهاء الولاية الجماعية.

 إن هذا الواقع يحكم حتما على التدبير الجماعي بالفشل، لعدم وجود نية حقيقية لدى مراكز القرار في تحقيق تنمية محلية تحتاج إلى حكامة جيدة وإلى رقابة صارمة.

وهذا ليس اتهاما مجانياً بل هي حقيقة يعضدها الواقع الذي نشاهده صباح مساء في العواصم الكبرى للمغرب التي فشلت في تكريس سياسة الواجهة ما دامت الأزبال والحفر لم تعد توقر حتى الشوارع الرئيسية.

 

إذاً قبل تعديل الميثاق الجماعي لابد من إيجاد جواب لسؤال من قبيل :ماذا تجدي النصوص إذا كان الساهرون على تنفيذها أول من يخرقونها؟؟

 


12/12/2011
0 Poster un commentaire